بقلم: عريب الرنتاوي
لا فائز بـ»الضربة القاضية» في محادثات الساعات الست بين بوتين وأردوغان في الكرملين. الفوز والخسارة فيها يحسبان بـ»النقاط» و»ركلات الترجيح» لا أكثر. بهذا المعنى، يمكن القول: إن بوتين والأسد خرجا فائزين بنتيجة الجولة الأخيرة من المواجهة مع أردوغان، الذي عاد إلى بلاده بقليل من الحمص وبعض ماء الوجه.
أمكن لبوتين وقف انزلاق سورية وتركيا عميقاً في قعر الهاوية، فالصدام المباشر بين «الحليف السوري» و»الشريك التركي»، كان محرجاً للكرملين، ومحمّلاً بعواقب غير محمودة إن لجهة ما حققه من «اختراق» في علاقاته مع أنقرة، أو لجهة المكاسب من «العيار الإستراتيجي» التي أنجزها في سورية. التهدئة، والابتعاد خطوة للوراء عن حافة الهاوية، كان هدفاً أساسياً لموسكو.
الأسد كان أبرز الرابحين في هذه المواجهة. انتزع ما يقرب من ثلث مساحة محافظة إدلب من سيطرة أنقرة وميليشياتها. فتح بالنار، الطريق الدولي «M5» الرابط بين حلب ودمشق، وبالدبلوماسية الطريق
«M4» الواصل بين حلب واللاذقية. وفي أولى معاركه المباشرة مع الجيش التركي، أظهر الجيش السوري وحلفاؤه، قدرة وكفاءة عاليتين على الاستمساك بالأرض وصدّ الهجمات المركزة، بل وإيقاع خسائر في صفوف الأتراك، اعترف أردوغان بأنها تقدر بـ»المئات».
أردوغان الذي توعّد بضرب الجيش السوري في كل مكان، فشل في طرده إلى ما وراء «خطوط سوتشي»، وفك الحصار المضروب على نقاط مراقبة الجيش التركي (دزينة منها على الأقل)، حظي بـ»هدنة» جنّبته مواجهة غير مرغوبة مع موسكو، وفسحة من الوقت لإعادة ترتيب أوراقه مع حلفائه في «الناتو»، وتهدئة روع الداخل التركي، فضلاً بالطبع عن إقرار روسي ببقاء قواته التي زجّ بها إلى سورية خلال الأسابيع الماضية، إلى جانب احتفاظه بنقاط المراقبة، حتى وإن لم يعد لديها ما تراقبه.
على أن هذا «البروتوكول» جاء يحمل في داخله بذور انفجاره، فما لم يتناوله من موضوعات خلافية جوهرية، أكثر بكثير ممّا استبطنه من حلول وتسويات. الممر الآمن، بعرض 12 كم، شمال وجنوب طريق «M4»، تُمسك به «النصرة» وحلفاؤها، ولا أحد يدري إن كانت لأنقرة سيطرة كافية على هذه الفصائل كفيلة بدفعها للانسحاب من المنطقة، أم أن مصير «البروتوكول» الإضافي لن يختلف عن مصير الاتفاق الأصلي في سوتشي، الذي سقط بسبب إخفاق تركيا أو عجزها، عن إخراج المليشيات الجهادية من المنطقة الآمنة. تركيا بالطبع، ليست بوارد اللجوء للقوة لإخضاع هذه الفصائل، رغم تهديدات خلوصي أكار.
ثم إن «البروتوكول» الذي منح أنقرة «حق الرد على انتهاكات النظام السوري»، أعطى النظام في المقابل، حق محاربة الجماعات الإرهابية والرد على استفزازاتها، وسيكون بمقدور أي طرف، حالما يشاء، أن يجد ما يكفي من المبررات لإسقاط التهدئة واستئناف القتال.
و»البروتوكول» لم يتضمن أي «آليات» لحفظ «التهدئة»، وإيصال المساعدات للنازحين أو إعادتهم إلى بلدتهم وقراهم، ولم يتضمن أي جداول زمنية لتحقيق هذا الغرض، وهو أمر ينطبق على بقية الموضوعات كمراقبة التهدئة وفتح الممر الآمن، وتسيير الدوريات المشتركة على امتداده.
نتوقع أن تتكثف خلال أيام، المفاوضات التركية - الروسية لسد هذه الثغرات، ونتوقع أن تحتاج كل واحدة منها، لجولات تفاوضية، شاقة وطويلة، ما لم تكن هناك جوانب سرية للبروتوكول، لم يعلن عنها وزيرا خارجية البلدين. وهي فرضية من اثنتين استخدمتا لتفسير «محدودية البروتوكول وضبابيته وتناقض بنوده أحياناً»، أما الفرضية الثانية، فتقول: إنه «اتفاق الضرورة»، كان مطلوباً بذاته، حتى وإن جاء «كيفما اتفاق»، طالما أن بديله الانزلاق إلى قعر الهاوية.