الحركة الفلسطينية إذ تفيض عن الفصائل

الحركة الفلسطينية إذ تفيض عن الفصائل

الحركة الفلسطينية إذ تفيض عن الفصائل

 لبنان اليوم -

الحركة الفلسطينية إذ تفيض عن الفصائل

بقلم : عريب الرنتاوي

بعد أن كانت تتسابق على «إعلان مسؤوليتها» عن هذه العملية أو تلك، تكتفي الفصائل الفلسطينية هذه الأيام، ببيانات الترحيب والإشادة والتثمين، لكل عملية ينفذها شاب هنا أو فتاة هناك ... يبدو أن الزمن الذي كانت تشكل فيه تلك الفصائل، الحاضنة الأوسع المؤطرة لكفاح شعب فلسطين، قد انتهى ... ويبدو أن الأجيال الناشئة من شباب فلسطين وفتيتها، ما عادت تجد في هذه الفصائل ضالتها، لا لممارسة الكفاح المسلح ولا لممارسة شتى أشكال العمل الوطني المقاوم.

المكاتب الإعلامية للفصائل، كانت دائمة النشاط في طباعة الصور وإعداد الملصقات «البوسترات» لتخليد شهدائها، فضلاً عن البيانات المهددة والمتوعدة ... اليوم، يبدو أن وظيفة هذه المكاتب قد تبدلت، إذ يكفي أن تنشر بياناً على الشبكة العنكبوتية، أو أن ترسله إلى «قائمة بريدية» مُعدّة سلفاً بأسماء وسائل الإعلام «الصديقة»، حتى تنتهي المهمة، ويعود العاملون فيها لمزاولة أعمالهم كالمعتاد ... وأحياناً يكفي «بوست» على «فيسبوك» أو «تغريدة» على تويتر، لإنجاز المهمة.

خلال «الهبة الشعبية» التي اندلعت انطلاقاً من القدس في الربع الأخير من العام الفائت، وقفت الفصائل وقفة مماثلة، راقبت المشهد، وأصدرت بيانات الترحيب والتثمين، وخلصت إلى ما شاءت من استنتاجات، ذهبت جميعها لتأكيد «أن مأزق العدو الصهيوني يتفاقم»، و»أن شعب فلسطين لن ينسى ولن يغفر»، وأن «الهبّة» ستتحول أو تحولت بالفعل إلى «انتفاضة»، دون أن ينخرط أي منها في جدال ومراجعة، داخليين على الأقل، لتقييم أدائها في «الهبّة» أو «الانتفاضة»، وهو دور يشهد القاصي قبل الداني، بأنه كان ضعيفاً حتى لا نقول نادراً أو معدوماً ... شباب القدس وفتيانها، خرجوا في تظاهرات عفوية، وتبعهم نظراؤهم في مدن الضفة الأخرى، وطوّروا من تلقاء أنفسهم، أساليبهم الكفاحية، ودائماً على قاعدة «استخدام ما هو في متناول الأيدي من أدوات»، بدأت بعمليات «الدهس» ومرت بقذف الحجارة والزجاجات الحارقة، وصولاً إلى «سكاكين المطبخ» ... كل ذلك كان يجري تحت سمع وبصر، ترحيب وإشادة الفصائل، وفي غيابها أو غيبوبتها.

الفلسطينيون الذين يعيشون عن كثب، فصول تآكل حركتهم الوطنية التي انطلقت قبل أزيد من خمسين عاماً، لم يستسلموا لهذا الواقع أبداً، ابتدعوا وسائلهم الكفاحية، انخرطوا في أنشطة مدنية واجتماعية، ونظموا حملات المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، وأشعلوا مواقع التواصل الاجتماعي بحملاتهم، وسخروا الفنون والثقافة ومختلف صنوف الإبداع الإنساني، بما فيها التطريز والمطبخ التقليدي، ليقولوا للعالم، أنهم شعب حي، لم يمت ولن يموت، وأن لديهم قضية وطنية، أكبر من الهياكل والقيادات والمؤسسات الهرمة ... ومرة أخرى، كل ذلك، يجري وسط ترحيب وإعجاب وإشادة الفصائل وقياداتها.

الفصائل التي انتظمت تحت راياتها مختلف فئات الشعب الفلسطيني ذات يوم، بمن فيهم كبار المثقفين والمبدعين والمفكرين والكتاب والفنانين، دع عنك الرجال والنساء من مختلف المهن والمرجعيات والخلفيات والطبقات، باتت «قوة طاردة مركزية»، أعداد من كانوا في كل فصيل منها، أضعاف مضاعفة لمن بقي منهم فيها ... وكلما تدرجت إلى الأعلى على سلم الإنجاز المهني والعلمي والأكاديمي والفكري، كلما تضاعفت قوة الطرد، ومن يشهد «التراكيب» المتعاقبة» لمنظمات العمل الديمقراطي الشعبي الفلسطينية، يلحظ أنها «تدهورت» كثيراً عمّا كانت عليه في سبعينات القرن الفائت وثمانياته.

وتصبح القصة أكثر «درامية» كلما ابتعدت عن المركز صوب الأطراف، فالشتات الفلسطيني تكاد لا تربطه صلة بالمنظمة وفصائلها، والفصائل التي كانت تعد بالمئات والألوف من المنتسبين في مجتمعات اللجوء والشتات، باتت تعد أعضائها على الأصابع، فيما «متوسط أعمار» معظم منسوبيها، يتجاوز العقد السادس.

وتبلغ دراما الفصائل ذروتها التراجيدية، حين تتحدث بلغة الأجيال وتعاقبها، فالجيل الثالث من أبناء النكبة الذي شارف على الأربعينيات من عمره، يكاد لا يكون ممثلاً في أطر المنظمة ومؤسساته وهيئات الفصائل وقياداتها ... أم الجيل الرابع، الذي يشق طريقه للحياة، فيكاد لا يسمح عن الفصائل والمنظمة، سوى قصص وحكايات يرويها الأهل بين حين وآخر.

لكن عبقرية الشعب الفلسطيني الجمعية، وارتباطه الوثيق بواحدة من أنبل القضايا وأكثرها عدالة، تدفع بأجياله المتعاقبة إلى عدم التوقف عند هذه الهياكل والأطر الضيقة على أبنائه وبناته، فتراهم يستنبطون وسائل كفاحهم، من لغة العصر وروحه، وكلٌ بطريقته، في تحدٍ رائع للاستعمار الاستيطاني الاقتلاعي من جهة، وفي تمرد صريح على تآكل أطر العمل الوطني الفلسطيني من جهة ثانية، وبصورة تحمل معها بكل تأكيد، فرص انبثاق موجة وطنية – ثورية فلسطينية جديدة، لا نعرف كيف ستنطلق أو من أين، وما الذي ستكون عليه أطروحتها الرئيسة، بيد أننا على يقين من أن بوصلتها ستظل تتجه نحو فلسطين بكل تأكيد.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحركة الفلسطينية إذ تفيض عن الفصائل الحركة الفلسطينية إذ تفيض عن الفصائل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon