عن «التعميم» و«التورية» في معركة حلب

عن «التعميم» و«التورية» في معركة حلب

عن «التعميم» و«التورية» في معركة حلب

 لبنان اليوم -

عن «التعميم» و«التورية» في معركة حلب

بقلم : عريب الرنتاوي

التسكين في اللغة، كما التعميم في السياسة، كلاهما “زورق نجاة” يُنجي من الحرج، إذ يحجب الرؤية والمعرفة بدقائق الأحوال كما هي من دون زيادة أو نقصان ... الإعلام المصاحب لـ “أم المعارك” في حلب، تورط بدوره في لعبة “الحقيقة المحتجبة”، وبات يتعين على القارئ والمستمع والمشاهد البسيط، أن يجهد في تفكيك الطلاسم والألغاز، علّه يعثر على “ضالة المؤمن”.

في المقلب المؤيد للنظام من معادلة الحرب في سوريا وعليها، نقرأ دائماً عن “القوات الرديفة”، وهو التعبير الذي لا يقتصر على وحدات حزب الله المقاتلة إلى جانب الجيش السوري وحدها، بل ويشتمل كذلك على ميليشيات “مذهبية” تدافعت للقتال من أقطار شتى، وتحمل من الأسماء والمسميات ما يشف عن هويتها المذهبية تلك ... وإذا كانت هناك مسحةٌ من سياسة تغطي مشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سوريا، ودائماً من مدخل “المقاومة والممانعة”، فإن المحرك الوحيد لـ “جهاد” بقية الميليشيات، إنما يصطبغ بملامح “كربلائية” نافرة.

إعلام هذا المعسكر، يجهد في إخفاء هوية بقية مكونات “القوات الرديفة”، ويكتفي بذكر مشاركة حزب الله والإشادة بها، بالنظر إلى تلك “المسحة السياسية” التي أشرنا إليها، والتي تستبطن ولا تلغي، “الرابط المذهبي” الذي باتت تلتقي حوله، قوى ممتدة، من طهران إلى اليمن والخليج، مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان.

في المقابل، يضج “الإعلام الآخر” بمصطلحات وعبارات مضللة من نوع: “ثوار” سوريا، و”قوى المعارضة”، في إشارة إلى المجاميع المسلحة الهائلة، التي تدافعت موجة أثر أخرى إلى معركة “كسر حصار حلب”، وأظهرت أعلى درجات التصميم و”الاستماتة” في الوصول إلى مشارف الكليات وقلب الراموسة على المحور الجنوبي – الغربي للمدينة.

ونقول توصيفات ومسميات مضللة، لأنها لا تعكس حقيقة الأمر ولا تسمي بأمانة القوى الفاعلة بأسمائها الحقيقية ... إذ حتى أن الذين تطلق عليهم مثل هذه التسميات، لا يجيزونها ولا يرغبون في أن يتسموا بها ... فالمعلومات المؤكدة المتوافرة من مصادر النظام والمعارضة على حد سواء، تشير إلى أن القوى الرئيسة في الهجوم على حلب، هي فصائل السلفية الجهادية، هؤلاء يحملون مشروعاً جهادياً، ويَتَسَمَون بالمجاهدين، عمودهم الفقري جبهة النصرة، التي صار اسمها “جيس فتح الشام”، وأن “التركستان” هم الخزان الأكبر للانتحاريين والانغماسيين، وأن هذه “الطليعة المقاتلة” مدعومة بألوف الجهاديين من جماعة أحرار الشام ونور الدين زنكي وغيرهما من الفيالق والأولية الموشحة بالأسود والأخضر، من دون إنكار مشاركة وحدات من “الجيش الحر” في هذه المعارك بالطبع، وإن من الموقع “الرديف”.

شدة قتال “الثوار”و”المعارضين” وضراوته، ليست من النوع المألوف أو المعروف عن “الجيش السوري الحر”، ولا عن فصائل “المعارضة المعتدلة” التي تشرف السي آي إيه أو البنتاغون على تدريبها، والتي سرعان ما تلقي سلاحها وتولي أدبارها لمسرح العمليات، عند أول مجابهة مع النصرة أو “داعش” أو حتى الجيش السوري و”القوات الرديفة” ... هذا القتال المستميت، ينتمي للسلفية الجهادية، وينتمي إليها وحدها.... وبواعث هذا القتال لا صلة لها على الإطلاق بـ “الوطن” و”الحرية” و”الانتقال السياسي”، ولا بمن سيحكم سوريا: بشار الأسد أم جورج صبرا، دوافعه كامنة في مطرح آخر، في الجهاد الدائم حتى “يُحكم المسلمون بالإسلام”، أما مكافأته فهي مرضاة الله وطلب جنته الموعودة... قتال لا يوازيه في ضراوته، سوى قتال الذين تدافعوا إلى سوريا لحماية المراقد والعتبات المقدسة ولكي “لا تُسبى زينب ثانية”، هنا أيضاً تتضاءل شعارات “المقاومة والممانعة”، وتدخل مرضاة الله في الحساب، وتُطلب الجنة بحورياتها ولبنها وعسلها، فيصبح الانتحار على باب الكلية العسكرية أو ضريح السيدة زينب، أقصر الطرق وأسرعها إلى الجنّة!!

“الانتحار” و”الانغماس” ليس من عقائد الجيوش ولا من أساليب عملها ووسائل قتالها، أقله منذ هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، ولا أحسب أن كلاً من الجيشين السوريين، النظام والحر، يقاتلان بهذه “الروحية” وهذه “الدافعية” ... هي حرب “المجاهدين” و”الجهاديين” على ضفتي الخندق، سيشتد سعيرها كلما ارتفع منسوب الحشد المذهبي والتعبئة الدينية “الآخروية” عند الفريقين.

الطريف في الأمر، وهو من نوع المضحك المبكي، أن كل فريق من الفريقين المتحاربين، يزعم،ومن دون أن يرف له جفن،أنه يقاتل جحافل من “الغرباء” و”المرتزقة”... إعلام النظام يتوسع في نشر أي تفاصيل “عن أعداد المقاتلين الأجانب على الأرض السورية ... وإعلام المعارضة ورعاتها ينفي أنها تحارب الجيش السوري، بل قطعان سائبة من المليشيات المذهبية المدعومة من إيران أساساً ... ولو جمعنا كلتا الروايتين، لخرجنا بخلاصة واحدة: أن السوريين براء من الحرب الدائرة على أرضهم، وأنهم يجلسون على مقاعد المتفرجين، فيما يمعن “الغرباء” في إشعال النيران والحرائق في المدن والقرى والبلدات السورية.

في وضع كهذا، يصح القول: أن “الطليعة المقاتلة” على جانبي المعركة، إنما تتشكل من هؤلاء، ومنهم أساساً ... اما القوات النظامية والجيش الحر وبقية مسميات “الثوار” و”المعارضين”، فتتحول فعلياً إلى “قوات رديفة”، وظيفتها تأمين الغطاء الجوي أو المدفعي والإمساك بالأرض إلى أن ينجز “الاقتحاميون” أعمالهم “الانتحارية/ الاستشهادية/ الانغماسية” ... إنه وضع شديد التعقيد والتضليل، تزيد في تعقيده والتباسه، آلة إعلامية جبارة، امتهنت التورية والتعميم، للتغطية على حرب الغرائز المضطرمة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «التعميم» و«التورية» في معركة حلب عن «التعميم» و«التورية» في معركة حلب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon