بوتين إذ يلـدغ في الجحـر السـوري مرتيـن

بوتين إذ يلـدغ في الجحـر السـوري مرتيـن!

بوتين إذ يلـدغ في الجحـر السـوري مرتيـن!

 لبنان اليوم -

بوتين إذ يلـدغ في الجحـر السـوري مرتيـن

بقلم : عريب الرنتاوي

ثمة ما ينبئ بإن إحساساً بالخديعة والخذلان، يهيمن على الكرملين، بعد التحولات المتسارعة في المواقف التركية ... أنقرة لا تثبت على موقف، مواقفها تتبدل على مدار الساعة، وتحالفاتها مثل الكثبان الرميلة... هذا هو المعنى المستبطن في بيان الخارجية الروسية الذي أدان بعبارات قوية التوسع في الغزو التركي لشمال سوريا، والرسائل المتناقضة التي تصدر عن “القصر الأبيض”.

لبعض الوقت، وغداة الاعتذار الشهير الذي تقدم به رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي عن “فعلته الشنعاء” بإسقاط الطائرة الروسية، بدا أن البلدين قد دخلا في “شهر عسل” طويل، وأن تفاهماتها الثنائية تؤهلهما للانضواء تحت سقف محور واحد، وصدرت تكهنات عديدة بشأن علاقة تركيا بما يسمى محور “المقاومة والممانعة”، تقابلها تقديرات ترجح حدوث اضطراب جوهري في علاقاتها مع الأطلسي، قد يفضي إلى خروجها منه ... وترقبنا وترقب العالم بأسره، جملة المواقف التي صدرت عن الحكومة التركية، والتي تراوح ما بين “المصالحة مع سوريا” و”طي صفحة تنحي الأسد”، وإبداء الاستعداد التام لتنسيق المواقف والجهود مع كل من موسكو وطهران.

من يراقب أنقرة هذه الأيام، يلحظ أن سيل الانتقادات والاتهامات لواشنطن وبروكسيل بالتآمر على تركيا ورئيسها وحزبها الحاكم، والذي تدفق بغزارة، بالجملة والمفرق، قد توقف تماماً ... باستثناء ملاحظات خجولة هنا وهناك، لم يعد أحد من الأتراك يثير الزوابع في وجه واشنطن، بل على العكس تماماً، رأينا ارتياحاً للدعم الأمريكي للغزو التركي لشمال سوريا، ورأينا استعداداً تركياً مرفق بعروض للمشاركة في عملية الزحف على الرقة بقيادة أمريكية، ورأينا مواقف وممارسات تندرج جميعها ي إطار “حسن النية” وإجراءات استعادة الثقة مع واشنطن والأطلسي.

في المقابل، عادت “حليمة التركية لعادتها القديمة” ... الدعم العسكري للفصائل الإسلامية المسلحة ما زال على حاله، بل وثمة أنباء تتحدث عن رفع وتيرته في بعض مناطق الشمال ... هناك إصرار تركي على توسيع “المنطقة الآمنة” وجعها دائمة ما أمكن، من دون توافقات جدية مع الأطراف ذات الصلة، خصوصاً محور موسكو – طهران – دمشق ... رأينا عودة إلى نغمة تنحي الأسد و”لا دور له في مستقبل سوريا” في تطابق مع الموقفين السعودي والقطري ... رأينا قدراً من الغطرسة والعنجهية تتبدى في ثنايا تصريحات الرئيس التركي الذي زعم بأن “غزوه” لسوريا إنما جاء بناء على طلب شعبها، وأنه ليس بحاجة لإذن أو تصريح من قاتل 600 ألف سوري، في إشارة إلى الأسد... ويبدو أن حبل هذه المواقف سيمتد على غاربه، أقله في المدى المرئي القريب.

نحن إذن أمام “استدارة ثانية” على “الاستدارة الأولى” ... لكأن السياسة التركية تتحرك في إطار لولبي، كلما أكلمت حلقة، دخلت في أخرى، مبقية حلفائها جميعاً في حالة من “التيه” و”الضياع” ... وآخر ضحايا هذه السياسة المخادعة، هو “القيصر” الذي برغم ما قيل ويقال، عن حنكته وذكائه المتقدين، إلا إنه برهن في أكثر من مناسبة، بأنه من النوع الذي يمكن أن “يلدغ من الجحر الواحد مرتين”.

“التهدئة” التي رعاها مع الأمريكيين في شباط الفائت، انعكست وبالاً عليه وعلى حلفائه، وها هو الجيش السوري يجهد في استعادة المناطق والمساحات التي فقدها أو تلك التي كان بمقدوره استعادتها بأثمان أقل، مضطراً لدفع أثمان باهظة عند كل مفترق طرق وفي كل بلدة أو قرية أو “زاروبة” ... والدعم الذي قدمه القيصر للسلطان، مكّن الأخير، وهو في ذروة عزلته وضعفه، من اجتياح الأراضي والأجواء السورية، بعد أن كانت بمثابة خط أحمر، لا يجرؤ على التفكير باجتيازه ... وها هي أحلام أردوغان تتمدد على مساحة تزيد عن 600 كيلومتر مربع من الأراضي السورية، مرشحة للاتساع والزيادة في قادمات الأيام، من دون أن يضطر لتقديم أي تنازل حسي ملموس، غير كتاب الاعتذار الذي استقر في أرشيف الرئاسة الروسية.

يجري ذلك في الوقت الذي تتراجع فيه الرهانات على “تفاهم” جدي بين موسكو وواشنطن حول سوريا، فالإخبار المتفائلة بهذا التفاهم وعواقبه لا تصدر إلا عن موسكو فقط، فيما واشنطن تركز دائماً على المصاعب والعقبات، بل وتشكك في جدوى هذا التعاون، وتبدي تمنعاً عن قبول اليد الروسية الممدودة بالكثير من العروض السخية والنوايا والاستعدادات الطيبة ... يبدو أن كيري، مثل أردوغان، وربما أكثر منه، هو من نجح في نصب أكثر من شرك للدب الروسي في سوريا، وأبقاه في حالة من المراوحة والدوران في البؤرة ذاتها، فلا هو ذاهب إلى “حسم عسكري” يقلب معادلات القوة وموازينها كما يرغب حلفاؤه في طهران ودمشق، ولا هو قادر على انتزاع “تسوية” أو “تفاهمات” تعظم فرض الحل السياسي للأزمة التي وجد بوتين نفسها غارقاً في أوحالها من الرأس حتى أخمص القدمين.

يبدو أن سوريا تتحول إلى “مستنقع” قادر على جذب مختلف اللاعبين إلى قعره المظلم والكريه ... الإيراني خاض فيه حتى ركبيته،  والروسي يكاد يختنق بروائحه الكريهة، أما التركي فلا ندري متى سيأتي وقت إطلاق الصيحات والبحث عن المخارج.... وحدها واشنطن، تخوض حروبها ومعاركها السورية عن بعد، وعبر الوسطاء، وبأقل كلفة ممكنة، وتراقب سقوط القتلى والجرحى من مختلف الأطراف المتصارعة، وتحسبهم جميعها في عداد إنجازاتها ومكتسباتها، فجُلّهم إن لم نقل كلهم، مندرجون أصلاً في قائمة “أعداء الولايات المتحدة”.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين إذ يلـدغ في الجحـر السـوري مرتيـن بوتين إذ يلـدغ في الجحـر السـوري مرتيـن



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon