بقلم - عريب الرنتاوي
ارتفعت وتيرة التهديدات المتبادلة وتصعّدت لغة «الحرب الكلامية» بين طهران وواشنطن، لكأن جائحة كورونا لم تمر بالبلدين، ولم تعصف بكثير من الأرواح، ولم تتسبب بأقدار هائلة من الخسائر في الاقتصاد والمال والأعمال، فيما البشرية جمعاء، ما زالت في قلب «المعمعة» من دون أن يطل عليها ضوء في نهاية نفق هذه الكارثة المحدقة.
وفقاً لواشنطن، فثمة معلومات استخبارية مؤكدة، مفادها أن «وكلاء إيران» في العراق، يعدون العدة لتوجيه ضربات مؤلمة للقوات الأمريكية المرابطة فيه، وأن حكومة بغداد على علم بفحوى التقارير الأمريكية ... وتعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برد ساحق على إيران، وسط أنباء متطايرة عن رغبة فريق الحرب في إدارته في إشعال فتيل مواجهة جديدة، تشغل الرأي العام الأمريكي عن فشل الرئيس وإدارته، في التعامل مع الجائحة، وهو فشل يرقى إلى مستوى الفضيحة، التي تخجل منها دول «نامية».
إيران بدورها، تختبر قصة فشل أخرى، في التعامل مع جائحة كورونا ... الوباء استوطن في البلاد، ورئيسها يحذر من سيناريو العيش مع الفيروس اللعين لعدة سنوات، وليس لعدة أشهر فقط ... الكلفة البشرية والاقتصادية التي تكبدتها إيران، هائلة بكل المقاييس، حتى إن قادة «الدولة والثورة» قدّموا للمسألة بوصفها حرباً جرثومية تُشنُّ عليهم من قبل «الاستكبار العالمي».
لكلا الطرفين على ما يبدو، مصلحة في صرف الأنظار عن التحدي الوبائي الداخلي، والتغطية على أوجه القصور والتقصير في التعامل مع الجائحة ... قيادتا البلدين تورطتا في تقديم «السياسة» و»الحسابات الانتخابية» على صحة المواطن وسلامة المواطنين... إيران تلكأت في الإفصاح عن تفشي الوباء حتى لا تتعطل انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، والتي نظرت إليها بوصفها «استفتاءً» على شرعية «النظام الثوري»، وأدى هذا التأخير في التعامل الشفاف والجدي مع الوباء، إلى تفشيه على نحو كارثي.
وإدارة ترامب، تصرفت على نحو مماثل ... خشية الرئيس من «الأثر الاقتصادي» لانتشار الفيروس، وانعكاساته على حملته الانتخابية الرئاسية، دفعه للتهوين من شأن الخطر، والاستخفاف بالتحذيرات من تهديده، وتجاهل تقارير الخبراء والاستخبارات على حد سواء ... ولولا الانتشار المتسارع والكارثي للفيروس، وحالة الهلع التي أثارها، لولا تركيز الاعلام على إدارته «الأنانية» و»الفضائحية» للأزمة، لما عاد وغيّر من نبرة حديثه عن الموضوع.
يبدو أن الطرفين، كلاهما، بحاجة للنجاة من المطاردة والملاحقة بالقصور والتقصير، يبدو أنهما بحاجة لصرف الأنظار عن «فشل الداخل» بذريعة تفاقم «تهديد الخارج» ... على أنه ليس للطرفين مصلحة في الانزلاق إلى حرب شاملة، تماماً مثلما كان عليه حالهما قبل جائحة كورونا ... فهل سنرى عودة لسيناريو الضربات المحدودة المتبادلة كما وقع من قبل، عندما قتلت واشنطن اللواء قاسم سليماني وردت طهران بقصف «عين الأسد»؟
هذا السؤال، يشغل حفنة قليلة من المراقبين، ذلك أن جائحة كورونا تكاد تستحوذ على أسماع الناس وأبصارهم في مختلف قارات الكرة الأرضية ... لكن هذه الحفنة، مرشحة للزيادة والاتساع على وقع المناورات والحشود العسكرية، ومع ارتفاع نبرة «حرب الكلام» بين الجانبين ... هذا يطلق التهديد بضربة ساحقة، وذلك يرد بالوعيد بتلقين الآخر مزيداً من الدروس ... متى ستنتهي هذه «المنازلة» وكيف؟ ... الجواب على هذا التساؤل ربما يكون رهناً بالجداول والمنحنيات البيانية التي ترسم صورة انتشار الوباء، وتحديداً في الدولتين المصطرعتين.