عريب الرنتاوي
ثلاث حلقات في سلسلة "الهلال الشيعي"، تتعرض لهزات شعبية عالية التوتر ... عدوى الانتفاضة الشعبية تنتقل إلى إيران، بعد أن هزّت أركان نفوذها في كل من العراق ولبنان ... وقبلها، كانت "واسطة العقد"، سوريا وما تزال حتى يومنا هذا، عرضة لزلزال الحرب فيها وعليها.
لست أدري أي "مسٍ" قد أصاب القيادة الإيرانية حين اتخذت قرارها الاستفزازي بتقنين توزيع البنزين ورفع أسعاره بنسبة 50 بالمائة، وفي هذا التوقيت الدقيق والحساس ... فالمواطن الإيراني يجد نفسه بين مطرقة الحصار الأمريكي وسندان السياسات الاقتصادية الخائبة، ثم أن البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية، وقرار كهذا، كفيل وحده بترجيح كفة "الصقور" والمتشددين... والأهم من كل هذا وذاك، أن البرلمان الإيراني، سبق له وأن رفض مقترحات كهذه، باعتبارها ستؤلب المواطن على الحكم، وترهق كاهل اقتصاد يعاني من التضخم والانكماش معاً، وهي حالة نادرة في عوالم الاقتصاد والمال والأعمال.
الغريب في الأمر، أن قراراً من هذا النوع، يصدر عادة عن السلطة التنفيذية، قد شارك في صياغته رؤساء السلطات الثلاث، ولا أدري "ما دخل" رئيس السلطة القضائية على نحو خاص، في أمر كهذا... وعلى الرغم من مطالبات نواب وسياسيين ومراجع دينية الحكومة للتراجع عنه، إلا أنها قررت "ركوب رأسها"، فجمعت المجلس الاقتصادي الأعلى للمصادقة عليه بدل إلغائه.
قرار رفع أسعار البنزين في إيران، يشبه إلى حد ما، قرار فرض ضريبة على خدمة "الواتس آب" في لبنان، فهو القطرة التي أفاضت الكوب الملآن، أو القشة التي قصمت ظهر البعير ... مظاهرات غاضبة عمّت مختلف المدن مصحوبة بقتلى وجرحى وأعمال عنف وشغب، وعودة الصراع المفتوح والعلني بين أجنحة الحكم ومراكز القوى، فيما الرئيس دونالد ترامب، يقف متفرجاً وشامتاً عن بعد، وقد أخرج لسانه هازئاً: ألم أقل لكم بأن العقوبات ستفعل فعلها؟
المدهش حقاً، أن قراراً كهذا يصدر عن حكومة بلد عائم فوق بحر من النفط ... قبل أيام قلائل فقط، كان الرئيس حسن روحاني يبشر الإيرانيين باكتشاف حقل للنفط في خوزستان، يحتفظ في جوفه بحوالي 53 مليار برميل، ما يكفي إيران لعدة أجيال قادمة، الأمر الذي يثير سؤالاْ بديهياً: أين العلّة فيما يحصل، وكيف يمكن لمن يسكن قرب نهر جارٍ أن يقضي من العطش والجفاف؟ ... هل تفتقر إيران لمصافي تكرير النفط مثلاُ، لماذا لم تعمل على توسيع قدراتها على التكرير وهي التي نجحت في تطوير برامج نووية وفضائية وصاروخية متطورة تحت الحصار وبرغم العقوبات؟ ... وما الذي تفعله إيران بمخزونها الهائل من النفط، وهي غير القادرة على تصدير أكثر من بضع مئات ألوف البراميل يومياً؟
الأرجح أن "ازمة البنزين" ستوفر الفرصة لكل خصوم النظام، في الداخل والخارج على حد سواء، لاستثمارها لتصفية الحساب وتسوية الخلافات ... الأرجح أن كثير من "المظلمات" وأصحابها، سيدخلون من هذه النافذة، لتقويض أركان النظام وفرض خيارات عليه، لم يكن يرغب بها، وقد قاومها ودفع أثماناً باهظة لإسقاطها... لا ندري كيف ستنتهي "أزمة البنزين" في إيران، ولا نعرف كيف ستؤول تطورات الأحداث في لبنان والعراق، ولكن المؤكد أن إيران وحلفائها و"هلالها" ، ليسوا في أحسن أحوالهم اليوم، وأن التهديد الأكبر لاستقرار هذا "المحور" ونفوذه الإقليمي، قد جاءه من حيث لا يحتسب: من الداخل، ومن تحت جلده.