بقلم - عريب الرنتاوي
بذلت البشرية جمعاء، جهوداً جبارة للتصدي لظاهرة الإرهاب والعمل على تدميرها في حواضنها الاجتماعية، والقضاء على مؤسساتها وأدواتها، وانتزاع الجغرافية الواسعة التي تمددت فوقها مقتطعة مساحات كبيرة من سوريا والعراق، غير آبهة بخطوط سايكس – بيكو ولا بقواعد «ويستفاليا».
بمعزل عن اتهاماتها المتبادلة، لعبت الدول والمعسكرات المتصارعة أدواراً متكاملة ومتنافسة في التصدي للظاهرة ... التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، نجح في تدمير «دولة الخلافة» الداعشية في الشمال السوري الشرقي والعراق، وبتعاون مباشر وغير مباشر، من قبل طهران وحلفائها في العراق ... والتحالف الروسي – الإيراني – السوري، استكمل المهمة في سوريا، فضلاً عن نجاحه المتميز في تصفية النصرة وحلفائها في مناطق واسعة من سوريا، وحشرها في مثلث إدلب الضيق، الذي يعد آخر وأكبر معاقل التنظيم وحلفائه.
هذه الإنجازات جميعها، والتي جعلت عالم اليوم أكثر أمناً، تبدو مهددةً على نحو غير مسبوق، ومن قبل عدو غير مرئي: فيروس كورونا الخبيء والخبيث ... ذلك أن العالم بدوله ومحاوره ومعسكراته، يبدو اليوم مشغولاً من رأسه حتى أخمص قدميه، بمواجهة الجائحة ووقف انهيار أنظمته الصحية، والاستعداد لمجابهة مرحلة «ما بعد كورونا».
تُعطي هذه الانشغالات التنظيم الذي نظر للوباء بوصفه عقاباً إلهياً للكفرة والمنافقين والمرتدين، الفرصة لإعادة لملمة صفوفه، وبناء قدراته، وإحياء شبكاته وخلاياه ... تعطي مرحلة «ما بعد كورونا» للتنظيم وشقيقاته وأشقائه، وفي كل مكان، فرصاً أوسع للتجنيد والتعبئة والتحشيد، مستفيداً من فشل كثير من الحكومات في احتواء الجائحة، والاعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل والمفقرين جراء الانهيارات الاقتصادية المتلاحقة والمتسارعة لاقتصادات كثير من البلدان.
تحت جنح كورونا، نجح «داعش» في تنفيذ سلسلة من العمليات الجريئة ضد الجيش والأجهزة الأمنية والحشد الشعبي في المحافظات الشمالية والشرقية للعراق ... وتحت مظلة الفيروس اللعين، نجح التنظيم في تنفيذ هجوم مباغت ضد الجيش السوري وحلفائه في بلدة السخنة في بادية حمص الشرقية ... قبل كورونا، وفي أثنائها، يعمل التنظيم وغيرها من الجماعات الإرهابية على «التعافي» من نتائج الحرب الكونية على الإرهاب، العمليات في سيناء مستمرة، ومنطقتي الساحل والصحراء والقرن الأفريقي، عرضة لمزيد من الأنشطة الإرهابية ... الإرهاب يسعى في «ملء فراغ» الحكومات والأنظمة والجيوش والأجهزة الأمنية التي تنتشر في الشوارع والميادين، وتتولى على نحو متزايد أمور البلاد والعباد في عدد متزايد من الدول، المتقدمة والنامية، سواء بسواء.
وليس التنظيم الإرهابي وحده من يسعى في «ملء الفراغ»، سيما حين تتسع الفجوة بين الحكومات وشعوبها، ويتكشف فشل كثيرٍ منها في قادمات الأيام، إن لجهة العجز عن مواجهة الانهيارات الصحية، أو لجهة الإخفاق في مواجهة ذيول الجائحة الاقتصادية والاجتماعية ... ليس مستبعداً أن تقفز حركات الإسلام السياسي، على اختلاف مرجعياتها المذهبية ومدارسها الفكرية، لـ»ملء الفراغ» وهي صاحبة الخبرة التاريخية المتراكمة، والتنظيم الأجود من بين جميع خصومها ومجادليها من التيارات الأخرى، مستفيدة من تفشي الفقر والبطالة، المرجح أن يكون كارثياً على العديد من الدول والمجتمعات.
كورونا قد يفضي إلى إعادة تاريخ المنطقة سبع سنوات إلى الوراء على الأقل، إلى مرحلة ما قبل انهيار «دولة داعش» في «سوراقيا»، ومرحلة ما قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، وقد يحبط جهود العديد من الدول التي انخرطت بنشاط، واستثمرت المليارات، إن في محاربة الإرهاب أو في مواجهة «الإسلام السياسي»... فيروس صغير وميكروسكوبي، قد يطيح بجهود دول كبيرة وصغيرة، ومن حيث لم تحتسب.