بقلم - عريب الرنتاوي
تقترب «حروب الوكالة» في ليبيا وعليها، والمندلعة منذ ثماني سنوات بين «البدلاء»، من أن تصبح حرباً مباشرة بين اللاعبين «الأصلاء» ... التورط الإقليمي – الدولي في الأزمة الليبية، ينذر بتحول الصراع «منخفض الحدة والتوتر» إلى «خط تماس» إقليمي – دولي ساخن، بل وربما، متفجر.
«النفط والغاز» هما كلمة السر في كل ما يجري في ليبيا وحولها ... وهما المدخل لفهم الانقسام الأوروبي حول هذا البلد المترامي والصراع عليه، حيث تصرف كل من روما وباريس، جهوداً جبارة لدعم حلفائهما من الليبيين، لتأمين حصة مناسبة من مخزون ليبيا النفطي ... ليس النفط وحده بالطبع، هو ما يحرك هذه القوى الكولونيالية، السابقة والحالية، على خط الأزمة الليبية... خطر الهجرة الأفريقية لأوروبا هو تحدٍ داهم لأمن أوروبا واستقرارها، يُدخِل ألمانياً بالذات،... خطر الإرهاب» الذي قد يتخذ من ليبيا مقراً وممراً له، نحو الشواطئ الشمالية للمتوسط، هو أيضاً تهديد آخر يقض مضاجع الجميع، ويدفع بهم لرفع «مستوى الاستنفار»... روسيا بدورها، لم تظل بعيدة عن الأزمة، فهي كوريثة للاتحاد السوفياتي المنحل، حليف نظام القذافي البائد، وكقوة إقليمية صاعدة اليوم، تبحث لنفسها عن «موطئ قدم» في ليبيا، حتى وإن تطلب الأمر، إعطاء ضوء أخضر لجماعة «فاغنر» لإرسال مرتزقتها، و»فاغنر» كما هو معروف، هي الطبعة الروسية لـ»بلاك ووتر» الأمريكية.
على أن القوى العربية – الإقليمية المتصارعة التي اتخذت من ليبيا واحدة من صراعات حروبها وصراعاتها، كانت حظيت، وما تزال، بنصيب وافر من «التدخلات الخشنة» ... ثمة قوات على الأرض وفي السماء وعبر البحار، وثمة تورط مباشر في تدعيم قوات حفتر أو تعزيز دفاعات طرابلس الغرب ... هذه حقيقة وثقتها عدسات المصورين وتغطيات الإعلاميين، وأكدتها تقارير المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة وموفدها الخاص غسان سلامة.
أنقرة المتعطشة للنفط، الطامحة للتحول إلى مركز وممر عالميين لأهم أنابيبه وخطوطه ... تركيا الباحثة عن «رائحة الغاز» في كل مكان، ما كان لها أن تفوّت فرصة القفز إلى المركب الليبي، ومن بوابة طرابلس الغرب، حيث «الإسلاميون» بمسمياتهم ومرجعياتهم المختلفة، يديرون العاصمة و»الحكومة الشرعية» ويتحكمون بوجهتها وتوجهاتها، تحت ستار كثيف من «الشرعية» ... أنقرة وطرابلس وقعتا اتفاقيتين مثيرتين للجدل: ترسيم الحدود البحرية غير عابئتين بحسابات وحساسيات دول مشاركة وشريكة في الحوض المتوسطي ... واتفاقية أمنية – عسكرية، قد تضع الجيش التركي على خط تماس متقدم مع خصوم أنقرة الإقليميين: مصر ودول خليجية أخرى.
أنقرة نظرت لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بوصفه «تجاوزاً» لما تعتقده ظلماً لحق بها بموجب «معاهدة سيفر 1920» والتي كانت بمثابة الإعلان النهائي عن سقوط الإمبراطورية العثمانية ... أنقرة «المحكومة بالتاريخ» تقرر التمدد في الجغرافياً، بعيداً جداً عن حدود جمهوريتها الأتاتوركية ... أنقرة كذلك، كانت ترد من طرابلس الغرب، على «منتدى غاز شرق المتوسط»، النادي الذي أغلق في وجه تركيا، حتى لا نقول إنه صُمم في الأصل، لاحتواء نفوذها وتمددها.
كثافة الاتصالات رفيعة المستوى، سياسياً وعسكرياً، التي نشهدها اليوم، وسرعة البرلمان التركي في إقرار الاتفاقيتين، تشي بأن تركيا على أبواب «تورط مباشر» في ليبيا، وربما بصدد إطلاق عملية «نبع سلام 2» ... مثل هذا الأمر إن حصل، على حدود مصر، وفي مواجهة أصدقاء حفتر من عرب وروس، ينذر بدخول أزمات المنطقة، وحروب الوكالة فيها، مرحلة جديدة، أكثر خطورة وأشد صعوبة.