خمس ساعات هزت الإقليم

خمس ساعات هزت الإقليم

خمس ساعات هزت الإقليم

 لبنان اليوم -

خمس ساعات هزت الإقليم

بقلم : عريب الرنتاوي

لأنها تركيا بكل ما لها من وزن و”عمق استراتيجي” إقليمي ممتد من القوقاز للبلقان، مروراً بالشرق الأوسط، وليس انتهاء بأوروبا وأفريقيا... ولأنه رجب طيب أردوغان، الزعيم المثير للجدل والاستقطاب والانقسام، داخلياً وخارجياً، والرجل الأقوى في تاريخ تركيا الحديث منذ مصطفى كمال أتاتورك، فإن ساعات خمسا من الغموض واللايقين، كانت كافية لهز عرش “السلطان” و”السلطنة” والإقليم بأسره، حيث حبس العالم أنفاسه ليلة الانقلاب، وتسمر المراقبون أمام شاشات التلفزة ومصادر الأخبار، حتى مطلع الفجر.

سيمضي وقت، قد يطول وقد يقصر، قبل أن نتعرّف بدقة ملابسات ما حصل ودوافعه، ومن قام بالتخطيط وأعطى الأوامر ومن نفذ، وقد يشتري بعضنا حكاية “الكيان الموازي”، وقد يرى فيها آخرون، محاولة لتصدير الأزمة والبحث عن مشجبٍ لتعليق أخطاء النظام وخطاياه... بيد أن “الساعات الخمس التي هزّت تركيا” زادتنا يقيناً، بجملة من الحقائق والمعطيات، أهمها:

أولاً: أن زمن الانقلابات العسكرية الخاطفة و”البيان رقم 1”، قد انتهى، فالطبقة السياسة في كثير من دول المنطقة (وليس جميعها بالطبع) باتت أكثر ذكاء من أن تسلم أمر قيادها لـ “حكم العسكر”، أو ان تستقوي بهم لتسوية حسابات بعضها مع بعضها الآخر، وهنا يسجل للمعارضة التركية، أنها اتخذت الموقف الصحيح في الوقت الصحيح ...كما يسجل للشعب التركي، من مؤيدي أردوغان ومعارضيه، أنه خرج بنفسه إلى الشوارع والميادين دفاعاً عن مكتسباته، ولم تنطل عليه حكاية “حركة السلام” ولا شعارات إنقاذ الديمقراطية والعلمانية، فالعسكر يمكن أن يكونوا علمانيين، بل وعلمانيين متشددين، كما كانوا طوال مائة عام من التجربة التركية المعاصرة، بيد أنهم لم يكونوا ديمقراطيين، ولن يكونوا.

ثانياً: أن الديمقراطية في المقابل، لا يمكن أن تستقر على قاعدة “التحريض والتجييش” الإيديولوجي، سيما إن كان مغلفاً بخطاب ديني، طائفي أو مذهبي كما هي الحال في تجربة السنوات الخمس من حكم العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان ... فمثل هذا الخطاب، وإن نجح في تأمين أغلبية مريحة للحزب الحاكم و”الزعيم الأوحد”، تمكنه من كسب كل انتخابات يخوضها، إلا أنه في المقابل، كفيل بتفتيت وحدة البلاد والعباد، وخلق حالة من الانقسام والاستقطاب، وتهديد سلامة النسيج الاجتماعي، الأمر الذي سيجد انعكاساته لا محالة، على البنية التحتية والمؤسسية للدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية ... لا معنى للديمقراطية من دون حفظ التعدد وصون حقوق مختلف المكونات ... ما شهدته تركيا في السنوات الخمس الأخيرة من حكم “الزعيم” و”الحزب”، أفضى من دون ريب، إلى احداث اختلالات كبرى، لا ينكرها سوى “أنصار الزعيم” واتباع خطابه الإيديولوجي، القائم على “شيطنة” المعارضة وتخوينها وتكفيرها وشن أقذع الحروب والحملات عليها، بمناسبة ومن دون مناسبة ... لم ينج أحد في تركيا من “لسان الزعيم الطويل”، والرجل الذي تعهد بحفظ التنوع والتعدد وقواعد اللعبة الديمقراطية التي جاءت به، بدأ ينقض عليها، بإجماع المراقبين والمحللين والباحثين في العالم، باستثناء أنصاره وأنصار حلفائه من الحركات الإسلامية العربية بشكل خاص.

ثالثاً: إن الانقلاب العسكري، وإن كان فعلاً مذموماً ومرفوضاً من كل ذي عقل سليم، إلا إنه كشف من حيث يريد أو لا يريد القائمون عليه، ان نظام الـ “check and balance”، الذي تقوم عليه العملية الديمقراطية برمتها، قد عانى اختلالاً حقيقياً في السنوات الأخيرة من حكم “الإسلاميين” في تركيا ... ولطالما حذر كثير من الباحثين والمختصين ومنظمات حقوقية دولية، من مغبة تحويل تركيا إلى سجن كبير للصحفيين، وتغول السلطة التنفيذية على القضائية، وعمليات التهميش المنظم لكل مواقع نفوذ التيارات السياسية والفكرية الأخرى ... حيث شهدت السنوات الأخيرة، عمليات “اجتثاث للعلمانيين”، و”أسلمة” منهجية منظمة، لمؤسسات الدولة والمجتمع، وبما يؤسس لقواعد تجديد النظام السياسي التركي من داخله، بل ومن داخله فقط، ولقد أعطت هذه العملية أكلها في وجود أجهزة تدين بالولاء لأردوغان وحزبه، وليس للدولة والمؤسسات والمسار الديمقراطي، كما هو الأصل، مثلما تكشف في تفاصيل ليلة الانقلاب.

رابعاً: إن الأسئلة الأهم، هي تلك التي لم تطرح بعد، بسبب “طزاجة” الحدث: أين ستسير تركيا بعد محاولة الانقلاب؟ ... في أي اتجاه سيقود أردوغان تركيا في السنوات القادمة؟ ... هل نقول “رب ضارة نافعة” أم “رب ضارة استجلبت ضرراً أشد”، وتحديداً إن مضى الرجل في تعزيز سلطاته ونفوذه الفردي، والضرب عرض الحائط بالمؤسسات والسلطات والدستور، واتخذ من المحاولة الانقلابية الدامية، مدخلاً لتصفية الحسابات من خصوم الداخل والخارج؟ ... هل من أثر للحدث على سياسة تركيا الخارجية، وتحديداً الأزمات المشتعلة في كل من سوريا والعراق؟
خامساً: أظهرت أحداث الساعات الخمس التي هزت تركيا والإقليم، أن العديد من عواصم الكبرى، تخفي من مشاعر العداء للرئيس التركي وحزبه أكثر مما تظهر من مشاعر الود ... ومن راقب تطور المواقف الدولية من محاولة الانقلاب، يرى أن الحذر والترقب كانا سيدي الموقف، حين كان الغموض هو سيد الموقف في شوارع انقرة وميادين إسطنبول، أما عندما انجلت غبار المواجهات والاشتباكات، وتبين أن أردوغان باقً في مكانه، فقد تغيرت النبرة، وبدأ الحديث عن “دعم الحكومة المنتخبة ديمقراطياً”، وفي ظني أنه لو قُدّر للمحاولة الانقلابية أن تنجح، لتكشفت العواصم الغربية عن مواقف أخرى، وعن صورة أخرى من صور النفاق بمعاييره المزدوجة.

سادساً، أما الرأي العام العربي، الأردني بخاصة، فقد انقسم بين مؤيد لأردوغان (غالبية واضحة) ومعارض له ... لم تزد المحاولة الانقلابية المؤيدين إلا مزيداً من التأييد، والمعارضين سوى مزيداً من المعارضة ... لم يتوقف كثيرون عن فكرة “الانقلاب العسكري”، وهل يبرر الخلاف مع حكومة الانقلاب عليها بالحديد والنار، ولم يتوقف أنصار الزعيم عن مسؤوليته عمّا آلت الأوضاع في بلاده، فهو الزعيم الذي لا يشق له غبار، ولا يأتيه الباطل عن يمين أو شمال ... الفريق الأول (المؤيد) استبدل صوره الشخصية على صفحات التواصل الاجتماعي بصور أردوغان ورايات حزبه وبلده، والفريق الثاني (المعارض) خشي أن تغمض له عين، قبل أن يكحل ناظريه  برؤية أردوغان “أسيرا أو طريداً أو شهيداً”، مع الاعتذار من الراحل الشهيد ياسر عرفات .

المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا كشفت عن نقاط ضعف التجربة التركية ونقاط قوتها، لكنها في المقابل، تكشفت عن نقاط ضعفنا، وهذا سبب إضافي آخر يبعث على الأسى والأسف والحزن.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خمس ساعات هزت الإقليم خمس ساعات هزت الإقليم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon