بقلم - عريب الرنتاوي
ذهب نداء الأمين العام للأمم المتحدة لوقف النزاعات الدولية والتفرغ لمواجهة جائحة كورونا، أدراج الرياح ... العالم ما زال يتعامل مع الجائحة بوصفها «فاصلاً قصيراً» يعود بعدها لمواصلة أعماله كالمعتاد ... تحذير أنطونيو غوتيريش من أن «الأسوأ لم يأت بعد»، لا يُستقبل على محمل الجد في العديد من عواصم القرار الدولي.
حرب «أسعار النفط» التي اندلعت بين روسيا والسعودية، ليست سوى مثال واحد عن «حالة الإنكار» التي تعيشها البشرية ... واشنطن أرادت في البدء، قصم ظهر الاقتصاد الروسي، واستتباعاً الاقتصادين الإيراني والفنزويلي، قبل أن تخرج حرب الأسعار عن السيطرة وتتهدد صناعة النفط الأمريكية بالإفلاس والانهيار ... روسيا أرادت الانتقام بتدمير شركات «النفط الصخري» الأمريكية، وإخراجها من السوق، رداً على منظومة العقوبات التي تفرضها واشنطن عليها، وتحديداً بعد إنجاز خطوط نقل الغاز إلى أوروبا (السيل الشمالي) ... والسعودية أرادت أن تثبت من جديد، بأنها صاحبة القول الفصل في كل ما يتصل بسوق النفط، أو على حد تعبير أحد المحللين، «البنك المركزي» الناظم لعمل سوق الطاقة العالمي.
وكمثال على انعدام الحس الإنساني المسؤول، إنما يتجلى في إصرار إدارة الرئيس ترامب على تشديد سياسة «أقصى العقوبات» المفروضة على إيران، برغم النداءات الحثيثة والواسعة، من مثقفين عالميين، ورجال سياسة (آخرهم جو بايدن)، لرفع مؤقت وجزئي على أقل تقدير، لهذه العقوبات، لتمكين البلد المنكوب بالفيروس، من مواجهة تحدي انتشاره واحتواء تداعياته.
الصراعات في منطقتنا، تنهض كشاهد ثالث، على تحول نداء غوتيريش إلى «صيحة في وادٍ سحيق»، لا الحرب في اليمن وضعت أوزارها، ولا تجاوب جدياً مع هدنة إنسانية تمكن الشعب اليمني من التقاط أنفاسه، بل رأينا تصعيداً ميدانياً غير مسبوق منذ عدة أشهر، واستئنافاً مقلقاً للغارات الجوية وعمليات القصف الصاروخي واستخدام «المسيّرات»...ليبيا ليست بعيدة عن هذا «السيناريو الكارثي» على الرغم من تسلل الفيروس الخبيث إلى الداخل الليبي كذلك.
أما الشاهد الرابع، من ضمن شواهد لا تُعد ولا تحصى، فيتمثل في إصرار سلطات الاحتلال الإسرائيلية على مواصلة خنق الضفة والقطاع، وإحجامها عن اتخاذ التدابير الصارمة والكفيلة بعدم نقل العدوى من مستوطناتها (الدينية بخاصة)، إلى القرى والبلدات الفلسطينية، وإعطاء أذن من طين وأخرى من عجين للنداءات الإنسانية المطالبة بالإفراج عن الأسرى والموقوفين إدارياً، أقله كبار السن والمرضى والنساء والأطفال، لتفادي خطر تفشي الوباء في زنازين سجونها وأقبيتها.
سلطات قمعية عربية (وغير عربية)، لم تستجب بدورها لنداءات إخلاء السجون من معتقلي الرأي والضمير، كإجراء احترازي للتحوط من انتشار الكارثة ... لا بل أن بعض النظم التعسفية العربية، توسعت مؤخراً و»تحت جنح كورونا»، في تنفيذ عمليات اعتقال لمعارضين وقادة رأي، مستغلة انشغال العالم بالتعامل مع الجائحة، لكأن هذا الوقت هو وقت «تصفية الحسابات» مع المعارضين والمخالفين، وليس وقت التوحد والتضامن لدرء الكارثة المحدقة، التي تجمع التقارير الدولية على أنها لم تبلغ ذروتها بعد.
لا يضير غوتيريش أن نداءه ذهب أدراج الريح، أقله سيسجل للرجل أنه حاول ... لكن ما يضير الجامعة العربية، وأمينها العام، أنها «لاذت بصمت القبور» عن كثير من الحروب والنزاعات المحتدمة في مناطق وأقاليم خاضعة لـ»ولايتها» ... غوتيريش له «أجر» المحاولة، وعلى أبو الغيط يقع «إثم» الصمت والقعود.