معايير مزدوجة

معايير مزدوجة

معايير مزدوجة

 لبنان اليوم -

معايير مزدوجة

بقلم : عريب الرنتاوي

أن تقدم رئيس وزراء بريطانيا العظمى على التصريح باستعدادها لإعطاء الأوامر باستعمال السلاح النووي حتى وإن أدى ذلك إلى مقتل مائة ألف من المدنيين الأبرياء، من أطفال ونساء ورجال شيوخ ... فذلك أمر طبيعي، يندرج في سياق سعي المرأة لاستحقاق لقبها “الحديدي”، البعض أسماها “المرأة النووية”، وهو أمر يندرج كذلك في إطار إعادة بناء الصورة الردعية للإمبراطورية التي لم تكن الشمس لتغرب عن ولاياتها ومقاطعاتها ... لا يستحق التصريح الذي قيل تحت قبة البرلمان، أي تعليق أو شجب أو استنكار أو حتى توضيح.

علماً بان صدام حسين، لم يقل أكثر من ذلك ذات يوم غداة الغزو العراقي للكويت، ملوّحا بيده بجهاز صغير، أسماه “قداحة نووية”، وتعهد بأن “يهلط بها نصف إسرائيل” ... التصريح أقام العالم على قدم واحدة، ولم يقعده إلى بعد سلسلة من الحروب على العراق: 1991، 1997، 2003، وصولاً لإعدام صدام واجتثاث البعث وإدخال العراق بمجمله، في دائرة الفوضى والاحتراب الأهلي والتقسيم والفلتان الأمني الشامل.

**************
وأن يقدم الطيران الحربي الفرنسي على اقتراف مجزرة في محيط بلدة منبج السورية، راح ضحيتها أزيد من مائة وعشرين مدنياً، أطفال ونساء وشيوخ، فذاك أمر يندرج في سياق الحرب على الإرهاب، لا يستحق الاعتراف والاعتراض، بل وليس جديراً بالتغطية الإعلامية ... الدم المُسال هنا ليس من صنف الأحمر القاني كذاك الذي جرى في شوارع باريس ونيس وبروكسيل، أنه دم أزرق داكن، لسوريين، لا أسماء لهم ولا صور، هم مجرد أرقام يؤتى على ذكرهم على استحياء، وربما على لسان بعض منظمات حقوق الإنسان الثانوية.

لو أن المجزرة قارفها الطيران الروسي أو السوري، كما يحدث أحياناً، لانتفضت باريس قبل غيرها، ولخرج علينا ساكن الإليزيه، بفيض من التصريحات المترعة بحقوق الانسان، المنددة والشاجبة، وربما لطالب بإحالة القضية برمتها إلى التحقيق الدولي، من دون أن يغفل عن التذكير بضرورة “رحيل الأسد”، والإعراب عن قلقه للدعم الروسي للنظام في دمشق ... إلى آخر ما في “الموشح” من عبارات وجمل، سئمنا ذكرها، لفرط تكرارها.

**************
طفل في ربيع العمر، يّذبح من الوريد إلى الوريد، بدم بارد ووسط صيحات الله وأكبر ... لا أحد يجعل من الأمر قصة ذات شأن ... فالمعارضة المعتدلة المسؤولة عن ذبحه “كتائب نور الدين زنكي”، أصدرت بياناً قالت فيه أنه “خطأ فردي” ... هكذا بكل ببساطة، أخطاء الأفراد عندهم لا تنحصر في زلة لسان أو رصاصة طائشة ... أنها تبدأ بالذبح من الوريد للوريد، ولطفل بالكاد أكمل العقد الأول من عمره، ووسط حشد كبير من المكبرين والمهللين ... كل هذا ويقال “خطأ فردي”، وتمضي الحكاية وكأن شيئاً لم يكن.

ماذا لو أن أبطال المشهد الدموي كانوا من الطرف ... ماذا لو أن القاتل كان من طرف الجيش السوري أو حلفائه، والقتيل من طرف “المعارضة المعتدلة” ... ما الذي كنا سنراه ونسمعه من ردود الأفعال، وأي نوع من التصريحات والبيانات كنا سنرى ونقرأ؟ ... انطوت صحفة الطفل المذبوح، وبقيت “الكتائب” محتفظة بتصنيفها كمعارضة معتدلة.

**************
يبدو أن العامل المقرر، والسبب الرئيس الذي يستثير “نوبات حقوق الانسان” في عقل وضمير المجتمع الدولي، لا يتصل بطبيعة الفعل ذاته، بل بهوية فاعله ... أياً تكن الجريمة من حديث فظاعتها وحجم ضحاياها، وأياً كانت “النوايا الشريرة” خلف المواقف والتصريحات التي تطلق هنا أو هناك، فجميعها وقائع ظرفية قابلة لقراءات مختلفة، وتثير مستويات وأنماطا متفاوتة من ردود الأفعال، تبعاً لهوية الجاني أو القائل ... فإن كان من الغرب وحلفائه، يصبح ذنبه مغفوراً، وفي أسوأ السيناريوهات، سيجري غض الطرف عن أفعاله أو أقواله في لمح البصر ... إما إن كان من المعسكر الآخر، معسكر الشر والأشرار، فإن كل المياه الجارية في أنهار المنطقة، لن تكفي لتطهيره من رجس ما قال وما فعل.
هل ثمة ازدواجية بعد هذه الازدواجية؟ ... وهل ثمة نفاق أوقح من هذا النفاق؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معايير مزدوجة معايير مزدوجة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon