سباق التسلح والنظام العالمي الجديد

سباق التسلح والنظام العالمي الجديد

سباق التسلح والنظام العالمي الجديد

 لبنان اليوم -

سباق التسلح والنظام العالمي الجديد

بقلم :عريب الرنتاوي

جاء الرد الروسي مدوياً على الاستراتيجية الكونية الجديدة للولايات المتحدة، التي وضعت روسيا – ومعها الصين – في عداد أخطر قوتين رجعيتين، تهددان الولايات المتحدة ... بوتين كشف عن «سلالات» جديدة من الأسلحة، يمكنها – مبدئياً – كسر التفوق الأمريكي واستعادة التوازن في موازين القوى العسكرية، فيما بدا أنه رد مباشرة على الاستراتيجية الدفاعية والنووية الجديدة للبنتاغون، وما يمكن وصفه بـ «سباق تسلح جديد» بين موسكو وواشنطن، يستعيد مفردات الحرب الباردة ويذكر بها.

ردود الفعل الدولية الأولية على خطاب بوتين الأخير، تفاوتت ما بين القلق والتحذير من عواقب «خرق روسيا لمعاهدات خفض سباق التسلح» إلى محاولة التقليل من شأن ما تم الكشف عنه من أنظمة تسلح جديدة،  أما في العالم العربي فقد توزعت الآراء والتقديرات، المنقسمة أصلاً، على ثلاث وجهات نظر: أولاها؛ تبشر بانتهاء عصر «الأحادية القطبية» وعودة روسيا لأن تكون القطب الدولي الثاني ... ثانيتها؛ ترى الأمر سابقاً لأوانه، وتجزم بأن الولايات المتحدة ستبقى على عرش القطب الواحد لسنوات عديدة قادمة... وثالثتهما؛ ترى أننا  سنكون أمام مزيج غير متجانس من «التعددية القطبية» حين سيتوزع القرار الدولي على عدد من الدول العظمى القديمة والناشئة، وإن بتفاوت.

فيما النظرتان الأولى والثانية، تتكشفان عن نزعات «رغائبية» لدى معسكرين متناحرين في العالم العربي والإقليم من حولنا، الأول، يجد خلاصه في التحالف مع موسكو، وهو يتمنى تصاعد وتصعيد دورها الإقليمي والدولي، والثاني، يجد مصيره مرتبطاً ببقاء الولايات المتحدة، سيدة للعالم، لا منازع لها ولا بديل عنها ... أما الثالث، ففي ظني أنه يشف عن قراءة واقعية، من خارج خنادق حرب المحاور المندلعة في المنطقة، مباشرة أو عبر الوسطاء، وربما يقدم التوصيف الأدق للنظام العالمي الجديد، الآخذ في التشكل، من دون أن تتضح ملامحه أو قواعده الناظمة بعد.
لا شك أن روسيا، قبل وبعد الكشف عن السلالات الجديدة من أسلحتها الاستراتيجية المتطورة، لم تكن تشكو اختلال عسكرياً في ميزان القوى ... الاختلال قائم، ولكن في مواقع أخرى، اقتصادية بالمقام الأول والأساس ... الاتحاد الروسي، كما الاتحاد السوفياتي المنحل، الذي ورثته، لديه من الأسلحة ما يكفي للوصول إلى أية بقعة في العالم، بل وربما لديه ما يكفي لتدمير الحضارة الإنسانية عدة مرات، وليس مرة واحدة فقط ... لم يسقط الاتحاد السوفياتي بفعل اختلال في توازنات القوى العسكرية، أو لنقص في عناصر الاقتدار الحربي، التقليدي والنووي لديه وحلفائه ... سقط لأنه هزم في «المباراة الاقتصادية»، ولعجز «نظامه السياسي» عن استيعاب العصر ومتغيراته، بوصفه نظام الحزب الواحد الشمولي.

بهذا المعنى، ما زالت الولايات المتحدة في الصدارة، اقتصادها يتفوق بأكثر من 14 ضعفا على الاقتصادي الروسي، وميزانيتها الدفاعية تتفوق على نظيرتها الروسية بالقدر ذاته تقريباً، آخذين بالاعتبار أن الزيادة (فقط) في الانفاق الدفاعي الأمريكي في أول سنة على حكم دونالد ترامب، تتجاوز بحدها الأدنى إجمالي الموازنة الدفاعية الروسية، وربما بأكثر من عشرين بالمائة.

تستطيع روسيا أن تحدث اختراقات ملموسة في «سباق التسلح» مع الولايات المتحدة، لكن منطق «المباراة الاقتصادية» وفلسفة «سباق التسلح» بين العملاقين، تقوم على «النفس الطويل»، وما إذا كان سيكون بمقدور موسكو أن تجاري الولايات المتحدة، في المديين المتوسط والبعيد، وهل تقوى البنية الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية الروسية على «مجاراة» الولايات المتحدة، حتى لا نقول تجاوزها؟ ... مثل هذا السؤال، لا يبدو أن الإجابة عليه، ستكون مغايرة للإجابة التي توفرت في الفصل الأخير من الحرب الباردة.

والحقيقة أن ثمة مبالغة أخرى، لا تقل أهمية عن سابقتها، تتصل بموقع روسيا ونفوذها على الساحة الدولية وفي دول الأزمات، بل وفي منطقة الشرق الأوسط... ومن يدقق في أزمات بلادنا على أقل، يرى أن لروسياً دوراً رئيساً في ساحة واحدة فقط، هي سوريا، أما في بقية الساحات، فهي لاعب من بين لاعبين، بل وليس لاعباً رئيساً، لا في العراق ولا في اليمن أو ليبيا ... أما في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فلروسيا تأثير محدود كذلك، سواء على إسرائيل التي نسجت معها أوثق الروابط والعلاقات، أو على الجانب الفلسطيني، فروسيا لم تفلح في جمع عباس بنتنياهو في الكرملين، والمؤكد أن تأثيرها كان متواضعاً على طريق التوسط لإتمام المصالحة الفلسطينية البينية... وحتى في سوريا ذاتها، يبدو أن الدور القائد لروسيا، لم يحظ بالاعتراف الإقليمي والدولي بعد، وهو ما زال عرضة للمنافسة والتحدي والتهديد.

لكن هذا التوصيف، لموقع روسيا وموفقها و»وزنها» على الساحتين الدولية والإقليمية، لا يعني أن ليس ثمة جديد على الساحة الدولية ... الصين بدورها تنهض كمارد اقتصادي، وتتبعها الهند على الخطى ذاتها، وهذه الدول بحاجة لتعظيم أدوارها السياسية والأمنية والعسكرية، ذوداً عن مصالحها الاقتصادية المتنامية في المنطقة والعالم ... وأوروبا العجوز، ما زالت قادرة على تجديد شبابها، واثنتان من دولها عضوتان في النادي النووي وتتمتعان بحق النقض «الفيتو»، وألمانيا من بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم.

لن يستمر نظام القطب الواحد، الذي اختبر لأول مرة في العراق زمن حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت)، لكننا لن ندلف عتبة نظام «الثنائية القطبية»، فروسيا أضعف من أن تكون قطباً موازياً ومعادلاً للقطب الأمريكي ... الأرجح أننا سنكون سائرين صوب نظام «متعدد الأقطاب»، ستظل الولايات المتحدة تلعب دوراً مقرراً فيه، بيد أنه لن يكون دوراً منفرداً أو مهيمناً، والأرجح أن سوريا ستكون ساحة الاختبار الأولى لنظام «التعددية القطبية» الناشئ.

المصدر : جريدة الدستور

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سباق التسلح والنظام العالمي الجديد سباق التسلح والنظام العالمي الجديد



GMT 20:07 2024 السبت ,16 آذار/ مارس

«لا للملصقات»... أميركا والطريق الثالث

GMT 13:18 2024 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

الرئيس ترامب مرة أخرى!

GMT 17:27 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

تسريبات إبستين والأيدي الخفية

GMT 18:02 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

الميليشيات والاستحقاق

GMT 18:20 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

الغباء..!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon