العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة

العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة

العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة

 لبنان اليوم -

العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة

بقلم :عريب الرنتاوي

استفزازية للغاية، تلك التصريحات التي صدرت عن مستشار مرشد الثورة الإسلامية على أكبر ولايتي في زيارته الأخيرة للعراق، والتي قال فيها “أن الصحوة الإسلامية لن تسمح لليبراليين والشيوعيين – العلمانيين – بالعودة لحكم العراق”، في نقد مباشر لتحالف “سائرون” الذي يضم التيار الصدري وعددا من القوى المدنية والحزب الشيوعي العراق الذي سيخوض الانتخابات النيابية القادمة في العراق، المقررة في أيار/ مايو المقبل.

استفزازية لروح وعقل وضمير، كل عراقي يستشعر هويته وكرامته الوطنية، فكيف لمسؤول كبير في دولة مجاورة، أن يتدخل على هذا النحو من الفجاجة والفجور، في شأن داخلي – سيادي عراقي ... وكيف سمح لنفسه بأن يكون “ناخباً” من خارج اللوائح والقوائم الانتخابية المسجلة... بل وكيف يقبل بعض العراقيين، لزائر جاء بلادهم في توقيت غير مناسب، أن يكون “مايسترو” التحالفات الانتخابية و”عراب” الترتيبات النهائية للبيت الشيعي الداخلي، وأن يظهر على وسائل إعلامه، شاهراً سيف الإقصاء والإلغاء، حتى لا نقول سيف التكفير، واضعاً “الصحوة الإسلامية”، التي لا هي “صحوة” ولا أدري إن كانت “إسلامية”، في تناقض وتضاد وتقابل مع القوى المدنية والعلمانية والليبرالية والشيوعية واليسارية العراقية؟

وهي استفزازية على نحو خاص، لكل “علماني” و”ليبرالي” و”شيوعي” و”يساري” و”مدني” عراقي أولاً، وعربي على وجوه العموم ... كاتب هذه السطور، ومن موقعه وموقفه المنتمي لهذه التيارات “غير الدينية”، يشعر بالاستفزاز والاستهداف أيضاً ... فهل تنوي إيران حقاً إعادة إنتاج نظامها السياسي في العراق، هل ثمة تفكير جدي في أرفع دوائر صنع القرار في طهران، بأن العراق يمكن أن يحكم على الطريقة الإيرانية؟ ... ألم يستخلص هؤلاء دروس الانقسام والاحتراب الأهليين، ونفاذ داعش إلى عمق الجغرافيا والبنية الاجتماعية العراقية، جراء ذلك؟ ... ألا يدركون أن أحد أسباب المُعمّقة للانقسام العربي – الكردي والطاردة لكرد العراق عن مركزه، إنما تتمثل في تلك السياسات والتحالفات القائمة على الهيمنة والاستتباع، وخلط الدين بالسياسة، التي ميزت “عراق ما بعد صدام”؟ ... والسؤال الأهم من كل ما ورد هو: هل نجح نموذج الحكم الإيران في موطنه الأصلي، حتى يجري التفكير بتصديره لدول الجوار؟ ... من يقبل بذلك، ومن يرتضي هذا المستوى السافر من التدخل الإيراني في صميم شؤون العراق الداخلية؟

نحن العلمانيين العرب، غير “المستتبعين”، من يساريين وقوميين ومدنيين وليبراليين ووطنيين، نعلن رفضنا لمحاولات فرض ما يسمى بـ “الصحوة” بقوة السلاح والمليشيات والمال على مستقبل العراق والعراقيين، وندعم بالقدر ذاته، الميول الوطنية – العروبية – الديمقراطية الآخذة في التجذر في خطاب التيار الصدري وممارسته السياسية وتحالفاته الانتخابية، ونتطلع لتجذير هذه التوجهات وتحويلها إلى منهج ثابت في العمل السياسي الوطني... كما نعلن وبالقوة ذاتها، دعمنا وتضامننا مع رموز التيار العلماني العراقي، بمدارسه المختلفة، التي تتعرض لأبشع عمليات الابتزاز والتهويل عشية استحقاق انتخابي هام، نراهن عليه ويراهن عليه العراقيون وأصدقاؤهم، للخروج من جملة الاستعصاءات التي تعتصرهم.

ولا نجد أكثر مما رد به تحالف “سائرون” على الوزير والمستشار الإيراني الرفيع، بأن العراق للعراقيين جميعاً، بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية وأيديولوجياتهم وميولهم السياسية والفكرية والاجتماعية، وأن العراق “السيّد- المستقل” وحده من يقرر شكل الحكم وتركيبة البرلمان والحكومة وطبيعة التحالفات الانتخابية وبرامجها، وأن على “الزائر الإيراني” أن يتوقف عند حدود بلاده، وألا يتخطاها إلى العمق العراقي، فالعراق بلغ سن الفطام، و”شبّ على الطوق”، وهو ليس بحاجة لوصاية من أحد، أياً كان ومن أية جهة أتى.

وليسمح لنا معالي الوزير – المستشار رفيع المستوى، بتقديم جردة حساب عن سنوات حكم “الصحوة” الخمسة عشر، إذ احتل العراق صدارة قوائم الدول والحكومات المضروبة بآفة الفساد، وتحول إلى ملعب لدول الجوار الإقليمي وجيوشها (العراق وتركيا)ومليشياتها، دع عنك “الناتو” وقواعد البنتاغون المنتشرة على أرض الرافدين، وبات ساحة لكل أشكال التدخل في شؤونه الداخلية، وأمكن لعصابة إجرامية من مثل داعش، أن تسيطر على ثلث مساحته بين عشية وضحاها، في “عزّ” هيمنة “الصحوة” وتفردها بحكم العراق، وهو اليوم أكثر انقساماً مما كان عليه منذ استقلاله الوطني، أما عن انهيار منظومة الخدمات من ماء وكهرباء وخدمات صحية وتعليمية، فحدث ولا حرج، وأمامه مشوار الثلاثين عاماً لبناء ما دمرته حروبه الداخلية وحروب الآخرين عليه، من دون أن يتوفر لأحد من أبنائه وبناته الثقة بكفاءة الطبقة السياسية الحاكمة، الصحوة أساساً، وقدرتها على التصدي باقتدار لتحديات “مرحلة ما بعد داعش” و”ما بعد الاستفتاء”.

من حق العراقيين أن يحاسبوا أحزابهم وطبقتهم السياسية على الفشل المتكرر والمتراكم الذي منيت به هذه الطبقة (وفي قلبها الصحوة)، خلال العشرية الفائتة، والانتخابات هي فرصة العراقيين لتقييم المسار وتقويمه، وليس من حق أحد أن يقف بين الناخب العراق وصندوق الاقتراع ... ليس من حق أحد، أن يحول بين من يضع العراقيون فيه ثقتهم، سواء أكان من العلمانيين أو “الصحوويين” وبين وصوله إلى الندوة البرلمانية وحكومة ما بعد الانتخابات.

ونجدها مناسبة لمخاطبة “المستتبعين” من يساريين وقوميين، أردنيين وفلسطينيين وعرباً، لقراءة مغزى هذه التصريحات ومضامينها، وألا يسمحوا لبعض مواقف طهران وشعاراتها، أن تحجب عنهم رؤية مواضع أقدامهم، وأن ينفضوا عن أنفسهم غبار “التبعية” و”الاستتباع”، فالمقاومة في الأصل، من صنعتهم، فهم أول الرصاص في حركات التحرر من الاستعمار وأول الحجارة في انتفاضات فلسطين والربيع العربي، هم أول من دعم وساند الثورة الإسلامية ضد شاه إيران، وأول من اصطف إلى جانب الشعوب المستضعفة في العالم... أما تراجع أدوارهم الحالية،فلا ينبغي أن يكون سبباً لتسويق وتسويغ “ذوبانهم” وفقدانهم للونهم وهويتهم الفكرية والإيديولوجية، فلا مطرح لهؤلاء في سلم الأولويات الإيرانية و”الصحوية” إلا من موقع القوة والتميز، أما التبعية والاستتباع، فلن تجعل منهم سوى “كومبارس” أو “خرزة زرقاء” في أحسن سيناريو، و”أيتام على مأدبة لئام”، في أسوئها.

المصدر ـ جريدة الدستور

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة العراق شبّ على الطوق، والعلمانيون هـم أول الـرصـاص وأول الحـجــارة



GMT 19:18 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الصدر والحكيم والهوية المُركبة

GMT 17:09 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

صعود الميليشيات: هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة؟

GMT 18:36 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

أدباء من ليبيا

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon