محاولة لتفكيك «ألغاز» الموقف الأمريكي الجديد من سوريا

محاولة لتفكيك «ألغاز» الموقف الأمريكي الجديد من سوريا

محاولة لتفكيك «ألغاز» الموقف الأمريكي الجديد من سوريا

 لبنان اليوم -

محاولة لتفكيك «ألغاز» الموقف الأمريكي الجديد من سوريا

بقلم :عريب الرنتاوي

نحار في فهم التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الانسحاب “القريب جداً” من سوريا، وتركها لـ”الآخرين” لترتيب شؤونها... وهي التصريحات التي تأتي بعد أسابيع قليلة فقط، من الكشف عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة حيال سوريا، وفي القلب منها، الاحتفاظ بوجود مستدام، أو طويل الأجل، وبعد ساعات من تأكيدات وزارة الدفاع الروسية عن قيام البنتاغون بنشر معدات وأسلحة ثقيلة في قاعدة التنف في الجنوب الشرقي لسوريا.

لكن حيرتنا تتبدد عندما نرى الخارجية الأمريكية حائرة بدورها، وكذا البنتاغون، فالحيرة لم تسيطر علينا وحدنا، نحن “الأبعدين”، بل شملت الأقربين كذلك ... فهل نحن أمام “زلة لسان” تنتمي إلى مسلسل المواقف المتعجّلة وغير المدروسة التي اعتاد الرئيس ترامب على إطلاقها؟ ... أم أننا أمام كرة ثلج متدحرجة، بدأت بتصريحات متسرعة لترامب، وقد تصبح سياسة عامة للولايات المتحدة في سوريا؟ ... هل ثمة قنوات “خلفية” يُبلور من خلالها الرئيس وطاقمه في الأبيض، مواقف الولايات المتحدة، وسياساتها، بمعزل على “الدولة العميقة” ومؤسساتها المعروفة، من خارجية وبنتاغون و”سي آي إيه”؟ ... هل باتت السياسة الخارجية في واشنطن تُصنع وتُدار من القصر الرئاسي، ومن ضمن حلقة ضيقة من المستشارين والمقربين؟

سنضع جملة من التطورات والأحداث التي وقعت مؤخراً في نسقٍ واحد، علّنا نفهم حقيقة ما يجري .... فقبل أسبوع تقريباً، حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على التمييز ما بين مواقف الرئيس دونالد ترامب، التي أشاد بها وثمنها من جهة، ومواقف “مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة” من جهة ثانية، فحمل عليها، وحمّلها وزر الأخطاء والخطايا التي تقارفها واشنطن، سيما بعلاقتها غير المفهومة تركياً، مع الحركة الكردية، وهي مسألة تشكل عصب السياسة التركية في كل من سوريا والعراق.

كيف يمكن تفسير موقف الرئيس التركي، وهل يندرج في سياق المجاملات التي تجري عادة بين قادة الدول، وعملاً بالتقليد العربي القديم الذي يلقي باللائمة على “الحاشية” عن كل الأفعال التي تصدر عن المسؤول الأول، أم أن هناك قناة خلفية بين البيت الأبيض في واشنطن و”القصر الأبيض” في أنقرة؟

بعد تصريحات أردوغان بيوم أو يومين، كان الرئيس الأمريكي ترامب، يحث نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي معه، على توطيد علاقات بلديهما بتركيا، مبدياً رغبته في تطوير علاقات التعاون مع أنقرة، بوصفها عضواً في الناتو وحليفاً موثوقاً للولايات المتحدة والغرب عموماً ... ما الذي كان يريده ترامب من ماكرون، وهل يفسر ذلك، سر التراجع الفرنسي السريع عن “مشروع الوساطة بين الأكراد وأنقرة”، وتخليها عن نشر قوات في “منبج” كما وعد الرئيس الفرنسي نفسه، وفداً كردياً كان التقاه للتو؟

قبل هذه الاتصالات وبعدها، كيف يمكن تفسير ملابسات الاجتياحين التركيين لسوريا، زمن “درع الفرات” من قبل، و”غصن الزيتون” من بعد ... هل كان ذلك ممكناً من دون تفاهمات مع واشنطن، دع عنك حكاية “الضوء الأخضر” الروسي في الحالتين معاً ... وكيف يمكن أن نفهم “تبشير” مولود جاويش أوغلو بوجود “تفاهمات” لم ترق إلى مستوى “الاتفاق” مع واشنطن حول “منبج”، وما هي مضامين هذه التفاهمات؟

ثم، كيف نفسر إصرار تركيا على نشر قواتها على امتداد الحدود مع سوريا، بما فيها مناطق شرق الفرات، حيث الوجود العسكري الأمريكي الكثيف، والتأكيدات التي لا يتوقف الرئيس أردوغان شخصياً عن إطلاقها، وآخرها أمس الأول، عن استعداد قواته للذهاب في عملياتها لطرد الوحدات الكردية من جميع المناطق الحدودية، بما فيها عين العرب ومناطق شرق الفرات، وليس فقط عفرين ومنبج؟ ... ألا يعلم السيد أردوغان، بأن هذه “المهمة مستحيلة” من دون موافقة واشنطن والتراضي معها؟ ... ألم يخبره أحد، بأن الاشتباك مع القوات الأمريكية، وقتل جنود أمريكيين، قد يعجّل في نهاية نظامه السياسي، ويضع تركيا في موقف حرج للغاية.

الحقيقة أن ثمة أولويتين تحكمان كلا من أنقرة وواشنطن، وتقرران شكل العلاقة بين البلدين ... في تركيا، تبدو قضية القضاء على الجيب/ الجيوب الكردية مسألة حياة أو موت ... وللولايات المتحدة، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد إيران وبرنامجيها النووي والصاروخي ودورها الإقليمي ... أما حكاية داعش، والإجهاز عليها ومنع عودتها، فقد باتت بعد الموصل والرقة، تفصيلاً يمكن معالجته، وهو في الأصل لم يكن أولوية تركية على الإطلاق ... فهل يمكن لهاتين الأولويتين أن تتعايشا؟ ... كيف، وما الثمن الذي يتعين على كل طرف أن يدفعه، ومن كيس حلفائه وليس من كيسه بالطبع؟

هل يمكن التفكير بسيناريو تحالف تركي – أمريكي لسد الطريق أمام الممر البري الإيراني الشمالي بدل الأكراد؟ ... وهل يمكن التفكير تبعاً لذلك، بصيغة تجلب تركيا إلى قلب هذه المناطق، شمال سوريا الشرقي كذلك، وليس مناطق غرب الفرات فحسب؟ ... ما هي صيغة العلاقة بين تركيا وأكراد سوريا، وهل بمقدور واشنطن “تدوير الزوايا الحادة” في مواقف الطرفين، وكيف، أم أن واشنطن، ستودّع أكراد سوريا بعد أن تكون قد أسقطتهم عن الشجرة، كدأبها مع كثيرٍ من حلفائها، وآخرهم أكراد العراق بعد الاستفتاء؟

ترامب يقول، أنه سينسحب قريباً من سوريا، وسيتركها لـ”آخرين” يتولون أمرها ... نحن نعرف من هم “الآخرين” في سوريا، والمؤكد أن ترامب لم يكن يفكر بإيران أو بالنظام في دمشق، والقوات الرديفة له، بوصفهم جزءاً من هؤلاء “الآخرين”، تبقى موسكو وأنقرة، وهما حقيقتان قائمتان على الأرض، وليس بمقدور ترامب إلغاءهما أو القفز من فوقهما ... هل يمكن أن تكون تركيا هي المرشحة لأن تكون هؤلاء “الآخرين”، وهل يمكن استرضاءها إلى هذا الحد، وبما يكفي لإبعادها عن موسكو وإخراجها من إسار “الثلاثي الضامن” لمسار أستانا؟

هل روسيا جزء من هذه الترتيبات، وهل يمكن تفسير “تواطئها” مع تركيا في “درع الفرات” و”غضن الزيتون”، وربما في موضوع “حلب الشرقية” و”الغوطة الشرقية”، بوصفها جزءا من الصفقة أو التفاهمات التي قد تكون جرت في خفاء، ومن خلف ظهور الحلفاء الآخرين، في دمشق وطهران على وجه التحديد؟

لا يمكن لواشنطن أن تترك سوريا لفراغ تملأه إيران وموسكو وحزب الله والنظام في دمشق، سيما وأنها في ذروة اشتباك مع روسيا وبالأخص مع طهران ... فإما أن نكون أمام واحدة من المواقف الهوجاء، غير المدروسة جيداً، التي اعتاد ترامب إطلاقها بين الحين والآخر، سرعان ما ستتبخر، وتتلاشى مفاعيلها، وإما أننا أمام “حقل ألغاز” يحيط بالعلاقات الأمريكية – التركية، ستتكشف فصوله قريباً، ليبقى السؤال عن موقع روسيا في هذه الترتيبات، وما إن كانت طرفاً فيها، مباشراً أو غير مباشر، وكيف سينعكس كل هذا وذاك وتلك، على سيرورة الأزمة السورية، واحتمالات الحرب والسلام فيها.

المصدر : جريدة الدستور 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاولة لتفكيك «ألغاز» الموقف الأمريكي الجديد من سوريا محاولة لتفكيك «ألغاز» الموقف الأمريكي الجديد من سوريا



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon