«داعشية» سياسية

«داعشية» سياسية

«داعشية» سياسية

 لبنان اليوم -

«داعشية» سياسية

بقلم : عريب الرنتاوي

بعض تيارات المعارضة المحسوبة على “الوسط السنّي” في كل من سوريا والعراق، تعيش حالة من “الانفصام السياسي”، فهي من جهة لا تستطيع أن تنبري علناً للدفاع عن “داعش” و”النصرة” بالنظر لمعرفتها (المتأخرة نسبياً) بالعواقب الوخيمة المترتبة على موقف كهذا، وهي من جهة ثانية، تجد صعوبة في “التفريط” بالفصيلين المذكورين، بالنظر لكونهما يشكلان القوة العسكرية الضاربة المحسوبة على هذا الوسط، بعد فشل محاولات بناء قوة سنيّة – عشائرية ضاربة في المحافظات العراقية الغربية، وعجز “بقايا” الجيش السوري الحر عن تشكيل بديل يُعتد به، يمكنه أن يشق طريقاً ثالثاً بين النظام والأصولية الجهادية، المنبوذة والمطاردة عالمياً.

حالة الانفصام هذه، تتفاقم في المنعطفات الكبرى التي تشهدها جبهات القتال في الحروب المتعددة والمركبة التي يشهدها البلدان المتجاوران، وهي في الحقيقة حرب واحدة تدور في بلدين وعلى ساحتين، أطرافها هي ذاتها تقريباً، هنا وهناك ... مثال ذلك، ما يجري اليوم في العراق على هامش معركة تحرير الفلوجة من داعش، حيث تضطر رموز وقيادات بعض “أهل السنة” للخروج عن “تقيتها” وتكشف عن مواقف تستبطن خشية فقدان التنظيم معاقله الكبرى على طريق انهياره، أقله قبل إنجاز هدف “إعادة التوازن للنظام السياسي”، الأمر الذي يتهدد هذا المكون بفقدان “أنيابه ومخالبه”، ويبقيه عرضة للتهميش  والإقصاء ... ولقد رأينا خلال الأيام الأولى لمعركة الفلوجة، حملات تجييش واسعة النطاق، تقوم على “المظلومية السنية”، وتحذر من “حرب إبادة” يتعرض لها “أهل السنة والجماعة” في الفلوجة على يد الجيش العراقي وقوات “الحشد الشعبي” الشيعية.
إذن، ثمة من لا يزال يراهن على إمكانية “توظيف” داعش في العراق، و”النصرة” في سوريا، بوصفهما ميليشيات سنية، لتحقيق أغراض سياسية، أو أقله لمنع الفريق الآخر من تحقيق هذه الأغراض ... في سوريا على سبيل المثال، بدا المشهد أكثر فظاظة، كون الدفاع عن “النصرة” أسهل من الناحية السياسية وأقل تعقيداً من الدفاع عن “داعش”، فعندما بدا أن الجيش السوري وحلفاءه، يحققون اختراقات متتالية على جبهتي ريف حلب واللاذقية ضد جبهة النصرة، قبيل اتفاق التهدئة و”وقف الأعمال العدائية”، ارتفعت الأصوات ذاتها، مهوّلة من خطر “إبادة جماعية” يتعرض لها المكون السنّي، وجرى “تمويه” النصرة بغيرها من الفصائل المسلحة من أجل إنقاذ الموقف، وهي المحاولات التي ما زالت متكررة ومتواصلة حتى اليوم، وقد تستمر لفترة قادمة.

وتجد هذه الرهانات “مبررات” لها، في استناد الفريق الآخر في الصراع، على ميليشيات مذهبية (شيعية في غالبيتها)، لم يعرف عنها انضباطها بالأساس، وهي في الأصل، تشكلت على أسس مذهبية، وليست وطنية، ولديها سجلات متفاوتة، من الانتهاكات والتعديات على المدنيين، بدوافع مذهبية، تتفاوت في درجة خطورتها، وصولاً إلى ما عدته بعض التقارير الأممية، جرائم حرب ... هنا، يصبح “التذرع” بوجود هذه المليشيات، “سبباً كافياً” لتبرير مساعي “التوظيف” التي تبذلها أطراف سياسية واجتماعية، للتنظيمين الإرهابيين ... وربما من قاعدة، أن المذهبية لا تقاوم إلا بمذهبية من طرازها، والإرهاب لا يفله إلا إرهاب مماثل.

والحقيقة أننا منذ الحراك الشعبي في الأنبار زمن حكومة نوري المالكي، ومنذ بدايات الثورة السورية في عامها الأول، حذرنا في مناسبات عديدة، من مخاطر وتداعيات، التماهي بين حركات المعارضة ومطالبها المشروعة وفصائل السلفية الجهادية وأجنداتها التي لا صلة لها من قريب أو بعيد بمصالح الشعبين وتطلعاتهما للحرية والكرامة والعدالة والأمن والاستقرار ... ولفتنا إلى “سيناريو الشيشان” في أواسط تسعينيات القرن الفائت، حيث فقدت الحركة الاستقلالية الشيشانية مكاسبها المتحققة في لحظة ضعف الدولة الروسية، جراء دخول السلفية الجهادية على خطها، وإمّحاء المسافات بين أجندة غروزني الاستقلالية وأجندة الإمارة الإسلامية، فكانت النتيجة ما بات معروفاً

لكن وبرغم الكلفة الباهظة التي يدفعها “المكون السنّي” هنا وهناك، جراء “اختلاط” الحركات والأجندات، فإن البعض من قادة هذا المكون ورموزه والناطقين باسمه، ما زال يراهن على “نظرية التوظيف”، ويعقد آمالا عراضاً على ما يمكن أن يأتي به من نتائج ومكاسب؟!

والحقيقة أن ثمة “انتهازية سياسية”، إلى جانب “النزعات المذهبية” تقف خلف هذه محاولات “توظيف” النصرة وداعش في الحرب الدائرة في العراق وسوريا وعليهما، فالذين عجزوا عن اجتراح البدائل وقيادة مجتمعاتهم على طريق الانتقال السياسي، لم يعد لديهم أي تحفظ على التحالف حتى مع “الشيطان نفسه”، طالما أن الهدف كسب “صراع البقاء” والانتصار في المعارك على السلطة والنفوذ والسطوة والجاه والمال... إنها “الداعشية السياسية” بامتياز.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعشية» سياسية «داعشية» سياسية



GMT 17:48 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

«الصراع على سوريا»

GMT 17:26 2024 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

حتى الحمام الزاجل وظّفوه!

GMT 17:20 2024 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

مشهد مما نتابعه على مسرح المنطقة أمامنا

GMT 17:56 2023 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

كيف تغيَّرت غزة؟

GMT 15:42 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتطفات السبت

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon