بقلم : عريب الرنتاوي
أربعة عوامل رئيسة، تقف وراء عودة الاهتمام المصري – الأردني، وعلى أرفع مستوى، بالشأن الفلسطيني الداخلي، أو بالأحرى وبصورة أدق، الوضع الداخلي لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، كما انعكس في البيان الذي لخّص أعمال آخر قمة أردنية – مصرية عقدت في القاهرة قبل أيام:
العامل الأول؛ الخشية من تآكل حركة فتح جراء تفاقم انقساماتها، وانعكاس ذلك استتباعاً على السلطة في رام الله، التي تمر بواحدة من أصعب لحظات عمرها، القصير على أية حال، بما يفتح الباب أمام مشروع “روابط القرى” الجديد الذي يروّج له أفيغدور ليبرمان، مدعوماً من “ترويكا” اليمين واليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل ... ذلك المشروع الذي ينتظر الفرصة ببالغ الصبر، للانقضاض على “حل الدولتين”، وخلق خمسة أو ستة كانتونات مقطّعة الأوصال في الضفة، أو الحل الذي أسميناه في مقالة سابقة (5 +1) بديلاً عن حل الدولتين (1+1).
العامل الثاني؛ ويتصل بالخشية من أن يفضي هذا التفكك والفلتان الذي تمر به بعض مناطق السلطة (نابلس على وجه الخصوص)، وتفاقم الصراعات التي تسبق الانتخابات البلدية، وبما يؤشر لما يمكن أن يكون عليه في الانتخابات الرئاسة والبرلمانية المقبلة في حال إجرائها ... الخشية من أن تفضي هذه الحالة، إلى جعل نتائج انتخابات 2016 صورة غير مزيدة وغير منقحة عن انتخابات 2006، ما يعني فوزاً جديداً وكاسحاً لحماس، هذه المرة في الضفة الغربية، وبما يعيد “تهديد الإخوان” من النوافذ الفلسطينية بعد أن سُدّت في وجهه الأبواب المصرية والأردنية.
العامل الثالث؛ ويتصل بدنو أجل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والحاجة الملحة لاستقبال الساكن الجديد للبيت الأبيض (يُرجح أن تكون هيلاري كلينتون)، بموقف فلسطيني موحد، صلب ومتماسك، ومرن بما يكفي لعدم حصول تصدعات كتلك التي شهدناها على سطح العلاقات الفلسطينية مع كل من القاهرة وعمان في الآونة الأخيرة، سواء على خلفية الموقف من المبادرات والمشاريع التي دعمتها السلطة وذهبت بها إلى أبعد المحافل الدولية، أو على خلفية المصالحات الفتحاوية الداخلية، خصوصاً بين الرئيس عباس والعقيد الإشكالي المنشق، محمد دحلان.
العامل الرابع؛ وهذا قد يكون بيت القصيد، المفهوم ضمناً وغير المصرح به علناً، ويتعلق بترتيبات مرحلة “ما بعد عباس”، حيث بدأت إرهاصات صراع إقليمي تظهر على نحو مباشر أو غير مباشر، ضمناً وصراحة، على ترتيبات تلك المرحلة... قطر حليفة حماس لها تفضيلاتها، التي لا تلتقي بالضرورة مع حسابات عمان وأبو ظبي والقاهرة ... هنا نعود إلى حكاية المصالحة بين عباس ودحلان، بوصفها “توطئة” وعنواناً رئيساً لمرحلة “ما بعد عباس”، فإن قدر للعقيد المثير للجدل أن يعود إلى بيت الطاعة الفلسطينية، تحت جنح المصالحة وشعاراتها، فإنه سيكون من دون شك، لاعباً رئيساً في تلك المرحلة، إن لم يكن اللاعب الرئيس ... وسيكون “صانع الرئيس الفلسطيني الجديد”، إن لم يكن هو الرئيس الفلسطيني المقبل.
بعد أزيد من عام على الفتور الذي طرأ على العلاقات بين عمان ورام الله بسبب جملة من العناوين من بينها أداء السلطة والرئاسة في الملف الداخلي، فضلاً بالطبع عن “تباين الأولويات” السياسية، والحساسيات في موضوعي “الكاميرات” و”الفيفا” ... وبعد أنباء متواترة عن فتور مماثل في العلاقة بين القاهرة ورام الله، على خلفية العلاقة “الخاصة والمتميزة” بين السيسي وأركان نظامه مع الدحلان ... يخرج البيان المشترك، محمّلا بالإشادة والتثمين لدور الرئيس عباس، ويعبر عن الأمل بإنجاز المصالحة الداخلية (ليست المصالحة مع حماس هي المقصودة هنا)، ويصدر في توقيت متزامن، بيان عن اللجنة المركزية ترحب فيه بعودة أبنائها “المفصولين” إلى حضن الحركة، ودائماً تحت شعار “وحدة الصف” و”الظرف الدقيق” و”يا جبل ما يهزك ريح” ... بعد كل هذه التطورات، يبدو أن الظاهر من جبل جليد التحرك الأردني المصري، أقل بكثير مما هو غاطس تحت سطح المياه العميقة .... والأرجح، أن هذا التحرك يتمركز حول محورين رئيسين اثنين: الأول؛ قطع الطريق على تفكك السلطة وفتح، واستتباعاً منع حماس من “وراثتهما”، وذلك في سياق مشهد إقليمي تصطف فيه العاصمتان وأخرى غيرها، ضد ظاهرة الإسلام السياسي (الإخواني بخاصة) .... والثاني؛تهيئة الوضع القيادي الفلسطيني الناشئ، وتحديداً في مرحلة “ما بعد عباس” للتعامل مع إدارة أمريكية جديدة أكثر إخلاصاً لإسرائيل وانحيازاً لها، والتكيف مع شروط حل نهائي لم يجرؤ عباس وصحبه، على التكيف معها، حتى استحق إسرائيلياً لقب: رجل ليس ذي صلة، وهو اللقب الذي حمله من قبله ياسر عرفات، واستشهد بسببه.