مشروع الدستور السوري ورد الرئاسة عليه

مشروع الدستور السوري ورد الرئاسة عليه

مشروع الدستور السوري ورد الرئاسة عليه

 لبنان اليوم -

مشروع الدستور السوري ورد الرئاسة عليه

بقلم : عريب الرنتاوي

نشرت صحيفة محسوبة على “محور المقاومة والممانعة” تقارير عن مشروع دستور سوري جرى إعداده في موسكو، وربما بالتشاور مع واشنطن، قبل أن تعود الصحيفة ذاتها، لنشر ما قالت إنه رد سوري رسمي على هذا المشروع، يكاد يطاول كل مادة من مواده، إلى أن تدخلت الرئاسة السورية رسمياً، وعلى مواقعها على صفحات التواصل الاجتماعي، لتنفي ما وصفته بالتسريبات غير الصحيحة، ما تعلق منها بالمشروع وما اتصل منها بالرد السوري عليه.

الملاحظ أن مشروع الدستور نُشِرَ في صحيفة مقربة من دمشق، وكذا الحال بالنسبة للرد السوري عليه ... هنا يتساءل المراقب: من أين للصحيفة أن تأتي بمثل هذه “التسريبات” والرد عليها، وكيف يمكنها “فبركة” مشروع دستور بأكمله، وعلى النحو الذي جاء عليه، وكيف لها أن تفنّد كل مادة من مواده من وجهة نظر النظام السوري، حتى يُقال بعد كل هذا الجهد والعناء، أن القصة برمتها مختلقة ولا أساس لها من الصحة.

في ظني أن الصحيفة المقربة من دمشق، لم تختلق الأمر، ربما لم تنشر الحقيقة كاملة، ولكنها بالقطع، لم تختلق الأمر برمته ... والأرجح أن ثمة “مشروع دستور” قدمته موسكو لدمشق من باب “جس النبض” ورصد ردة فعل النظام، وربما من باب التشاور والتنسيق بين الدولتين “الحليفتين” ... والأرجح أن دمشق، وليست موسكو هي من “سرّب” هذا المشروع للجريدة اللبنانية، فليس من مصلحة موسكو إن كانت هي صاحبة المشروع، أن تثير هذا القدر من اللغط المسبق حوله، وأن تحيطه بزوبعة من الانتقادات والتساؤلات التي أشعلت صفحات التواصل الاجتماعي.

مما لا شك فيه، أن دمشق، لم تبد ارتياحاً أبداً لمشروع الدستور الجديد، وهذا ما أوضحته الصحيفة على أية حال، عندما نشرت تقريراً مطولاً، تضمن ما قيل إنه رد دمشق على مسودة الدستور، وربما لهذا السبب بالذات، عمدت القيادة السورية إلى تسريبه لصحيفة صديقة، على أمل أن يثير موجة من ردّات الفعل الغاضبة والمنتقدة لبنود المشروع ومواده الإشكالية، وهذا ما حصل بالفعل خلال الأيام القليلة الفائتة، حيث أثار المشروع قلقاً في دوائر سورية عديدة، بمن فهيا بعض تلك المحسوبة على معارضات سورية في الداخل والخارج.

ولكي تعطي عملية التسريب المقصودة أكلها وثمارها، عمدت القيادة السورية إلى تسريب “ردّها الافتراضي” على مشروع الدستور المتضمن تفاصيل كثيرة لا ترضي قطاعات واسعة من السوريين، والرد السوري، جاء مفصلاً وتفصيلياً ... لكأن دمشق أرادت بنشرها هذا الرد، أن توجه النقاش المحتدم في المجالس والصالونات وعلى الشبكة العنكبوتية، بالوجهة التي تريدها، قبل أن تعود وتؤكد أن الأمر برمته عارٍ تماماً عن الصحة، مستطردةً “أن السوريين وحدهم لهم الحق في وضع دستورهم الجديد أو تعديل دستورهم القديم، وأن الشعب السوري هو صاحب الحق في إقراره عبر استفتاء عام” ... لكأن الرئاسة السورية بجملتها تلك، كانت توجه رسائل لموسكو وواشنطن وليس للجريدة اللبنانية، على ما جرى تداوله من أنباء وتقارير عن توافق روسي – أمريكي على مشروع دستوري جديد للبلاد.

مشروع الدستور الجديد، يقلص إلى حد كبير سلطات رئيس الجمهورية، ويحيلها إلى مجلس الوزراء، ويجعل من الرئيس حكما ووسيطاً بين السلطات بعد أن سحبت منه سلطاته التشريعية، يؤدي اليمين امام جمعية الشعب “بدل مجلس الشعب” وجمعيات المناطق، ويعتمد “الفيدرالية” أو اللامركزية الموسعة، أساسا للحكم في سوريا تحت مسمى جمعيات المناطق، ويعترف بحكم ذاتي ثقافي لأكراد سوريا، ويسقط شرط “دين رئيس الجمهورية الإسلام”، ولا يذكر الشريعة كمصدر للتشريع، ويتجاهل كل ما ورد في الدستور القديم من مفردات من نوع القومية والاشتراكية، ويسقط “العربية” من اسم سوريا لتصبح الجمهورية السورية بدل الجمهورية العربية السورية، إلى جانب تعديلات أخرى كثيرة.

المشروع، لا يرضي النظام بحال من الأحوال، فالنظام سبق وأن كشف في مرات سابقة عديدة عن مواقف، تناقض معظم التعديلات الجوهرية التي يقترحها مشروع الدستور الجديد ... والمشروع لن يُرضي المعارضات الإسلامية بمن فيها أكثرها اعتدالاً، فهو دستور علماني بالكامل، ولا يترك مطرحا للعب بورقة “دين رئيس الدولة” أو “الشريعة مصدر التشريع” ... والمؤكد أن قوميين ويساريين كثيرين، لن يرتاحوا لمشروع القانون الجديد، الذي يجرد سوريا من هويتها العربية، ويقترح نظاماً اقتصادياً يقوم على الملكية الفردية والمنافسة الحرة والسوق المفتوح ... لا أعرف أحداً من النظام أو المعارضات الوازنة، يمكن أن يتبنى بارتياح، مشروع الدستور الجديد ... وأستبعد أن تكون معارضة الرياض قدمته للموفد الأممي ستيفان ديمستورا، بحكم تركيبتها واوزان القوى فيها.

أحسب أن المشروع المذكور هو بالون اختبار، جرى طرحه لجس نبض مختلف الأطراف، وأحسب أن ثمة درجة من التوافق الأمريكي – الروسي على مشروع الدستور، وما أمر تسريبه، وغالباً من دمشق، إلا بهدف تنفيسه وإجهاضه في مهده، وربما يكون “تكتيك التسريب” نجح في تحقيق أغراضه، مرحلياً على الأقل، بانتظار ما ستسفر عنها جولات القتال والمفاوضات اللاحقة من موازين قوى وتوازنات جديدة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشروع الدستور السوري ورد الرئاسة عليه مشروع الدستور السوري ورد الرئاسة عليه



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon