«أسطرة» الإرهاب  «سذاجة» أم «سياسة»

«أسطرة» الإرهاب ... «سذاجة» أم «سياسة»؟

«أسطرة» الإرهاب ... «سذاجة» أم «سياسة»؟

 لبنان اليوم -

«أسطرة» الإرهاب  «سذاجة» أم «سياسة»

عريب الرنتاوي

وصلت إلى مدريد مساء الأربعاء الفائت للمشاركة في مؤتمر حول “الحرم الشريف” ... منذ لحظة وصولي وحتى كتابة هذه السطور (مساء الجمعة)، تردد اسم العقل المدبر لـ”غزوة باريس” عبد الحميد أبا عود، مئات المرات، وأجزم أنني استمعت إليه بمختلف لغات العالم ولهجاته ... تارة عبد الحميد وثانية عبد الخميد، وثالثة أبا عواد، ورابعة أبو عواد، التلفزيون في غرفتي في الفندي التاريخي القريب من ساحة الاستقلال في مدريد، لا يأتي بأية قناة عربية، عشرات القنوات بعشرات اللغات، والقاسم المشترك بينها جميعاً عبد الحميد أبا عود.

أكثر المحطات هوساً بملاحقة قصص الرجل و”قصات شعره”، كانت “السي إن إن”، ساعات من البث المباشر والمتواصل من ساحة الجريمة النكراء في باريس، لم يبق أحدٌ من نجوم ونجمات القناة العالمية الأشهر، إلا وإدلى بدلوه في تغطية القصة، لم يبق مسؤول فرنسي أو عضو كونغرس أمريكي، إلا وجاء على ذكره، لم يبق خبير في الحركات الإسلامية ممن يتقنون الإنجليزية، إلا واستُضيف شارحاً ومتحدثاً عن شخصية الرجل وقصص تنقله بين سوريا وفرنسا وبين دول الاتحاد الأوروبي من منظومة “الشينغن”.

تحول الرجل إلى “أسطورة”، وبدل أو تكون نهايته المفجعة عبرة لجيل من “الجهاديين”، أعتقد أن الإعلام صنع منه بطلاً أسطورياً مُلهِماً لمئات وربما آلاف الجهاديين ... هل تذكرون كيف تحوّلت ملابس أبو مصعب الزرقاي السوداء، في صورته الشهيرة في صحراء الأنبار، إلى “موضة” جهادية، يسعى الجهاديون في شتى أصقاع الأرض لتقليدها ... هل تذكرون الراية الشهيرة لداعش، وهي محمولة على كتف أحد جهاديي التنظيم الأوروبيين، وكيف ارتدى الرجل نسخة تكاد تكون طبق الأصل عن ثياب الزرقاوي؟

أبو عود ( أو أبا عود)، جعل منه الإعلام أسطورة ملهمة للجهاديين في شتى أرجاء العالم، ولم لا وهو صاحب “حقوق الملكية الفكرية” تخطيطاً وتنفيذاً لهجمات باريس، وما أعقبها من مواجهات في حي سان داوني حيث قتل ومعه نفر من زملائه، من بينهم أول “استشهادية” تسقط في عاصمة أوروبية، يقال أنها إحدى قريباته، إذ لا بد لصورة البطل التراجيدي أن تكتمل.

كل الأضواء تركزت على الكيفية التي يتحرك فيها الرجل بين بروكسيل وباريس، وكيف بمقدور شبكته أن تتحرك بحرية وسهولة في فضاء “الشينغن” ... لم يؤت كثيراً على ذكر “الكرم التركي” في تقديم التسهيلات للجهاديين ... الرجل وصحبه، يدخلون ويخرجون من تركيا إلى سوريا، وبالعكس، وكأنهم في رحلة اصطياف إلى شواطئ اللاذقية أو إلى “منتجعات الرقة” ... حكاية التسهيلات التركية لحركة داعش وتسليحها وتموينها ومدّها بالعديد والعتاد وعائدات النفط المسروق المباع في السوق التركية السوداء، حكاية لا أحد يقترب منها أو يأتي على ذكرها، لكأن حاجة الغرب لتركيا وواشنطن لـ “أنجرليك” والأطلسي لأحد أكبر جيوشه عدداً وتعدداً، قد أعمت بصر الغرب وبصيرته، وضربته في قلب معاييره ومبادئه وقيمه.

عبد الحميد أبا عود، سيصبح من الآن فصاعداً، أيقونة لكل “الذئات المتوحدة” أو “المتوحشة”، ولكل الخلايا اليقظة والنائمة، في أوروبا وغيرها من أصقاع العالم، فالرجل صنع منه الإعلام الغربي أساساً، بطلاً لا يشق له غبار، تروى عنه القصص والحكايات، وتنسج من حوله الأساطير والغرائب ... وليس مستبعداً أن نسمع غداً أو بعد غدٍ، عن “كتائب أبا عود وسراياه” تقاتل في سوريا والعراق، وربما في المغرب العربي ومالي، أو بعيداً في أوروبا والقوقاز والبلقان.

مع أن “تقشير” طبقات الهالة الإعلامية التي أحيط بها الرجل في مماته، وتجريده من حالة “الأسطرة” التي أضفيت على سيرته الذاتية، تحيله إلى مجرد شاب أزعر، ذي تاريخ طويل بالسوابق، شأنه في ذلك شأن كثيرٍ من الجهاديين، الذي بتنا نعرف اليوم، أن صحائف أسبقياتهم، لا تعد ولا تحصى، وأن أحدهم آثر الاحتفاظ بحصته من ملكية أحد محلات بيع الخمور و”المنكرات”، حتى وهو في ذروة الإصرار على المضي في خيار الجهاد والشهادة؟!

ويزداد الطين بلّة حين تأتيك شهادات أهل الحي الذي نشأ فيه وترعرع، فمنهم من رأى فيه رجلاً صالحاً ومنهم من أقسم على انه لن يذرف دمعة واحدة لفراقه ... هنا تكتمل محاولة إضفاء قدر أكبر من “الغموض” على شخصية الرجل، لكأن عنصر التشويق والإثارة، لم يكتمل بعد عشرات الساعات من البث الحي والمباشر، ذكر فيها اسم الرجل وحده، كما لم تذكر أسماء جميع قادة العالم مجتمعين.

هل نحن أمام “سذاجة” إعلامية، تسعى وراء الخبر والسبق والإثارة وملء ساعات البث المباشر الطويلة كيفما اتفق، وبما اتفق، أم أننا أمام “سياسة” إعلامية، هدفها الذهاب إلى أقصى حد في ترويع العالم من “خطر الإرهاب الإسلامي”، وتضخيم شبح “الاسلاموفوبيا” والتحريض على اللاجئين والجاليات، وقرع طبول الحرب التي تتوالى فصولاً  في المنطقة وعليها، وليس فقط ضد الإرهاب وحده؟ ... أسئلة وتساؤلات برسم الأيام والقرارات التالية عن عواصم القرار الغربي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أسطرة» الإرهاب  «سذاجة» أم «سياسة» «أسطرة» الإرهاب  «سذاجة» أم «سياسة»



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon