عريب الرنتاوي
لأن شفافيتنا تقف عند تخوم «التعداد السكاني» قبل أن ترتد إلى نقيضها، سنكتفي هنا بتداول ما هو سائد ورائج من الأرقام والمعطيات، فنقول أن في الأردن ما يقرب من مليون مواطن فلسطيني بلا هوية أردنية أو رقم وطني أردني، لا يمارسون حقوقاً سياسية في أي «مكان»..لا هم جزء من المنظمة، ينتخبون قيادتها ومجلسها الوطني، ولا هم جزء من الشعب الأردني، ينتخبون نوابهم إلى مجلس الأمة.
ثلث هؤلاء تقريباً، أو أقل قليلاً، هم من أبناء قطاع غزة، لم تمارس أجيالاً منهم تجربة «الحقوق السياسية»، أما البقية، فليسوا أفضل حالاً في معظمهم على أية حال، ذلك أن جيلاً أو جيلين منهم، قد نشأ، أو توفر على الأهلية القانونية لممارسة حقه في الانتخاب والترشح، بعد فك الارتباط في العام 1988، قبل هذا التاريخ بزمن طويل كانت الحياة النيابية في ضفتي المملكة معطّلة بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية.
باستثناء من سحبت أرقامهم الوطنية ، لا أحد يطالب بتمكين هؤلاء من أية حقوقٍ سياسية في الأردن، بالذات أهل غزة، وهم أنفسهم لا يطالبون بذلك على أية حال، كل ما يتطلعون إليه، هو مزيد من العدالة في مجال الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية..وأحسب أن هذه الفئة من السكان، هي من بين فئات قليلة على امتداد الكرة الأرضية، ما زالت محرومة من ممارسة حقوقها السياسية في مفتتح القرن الحادي والعشرين.
نقترح أن تشرع الحكومة والمنظمة، حكومة ما بعد المشاورات النيابية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، في حوار أخوي جاد وعميق، من أجل تمكين هذه الفئة من ممارسة حقوقها السياسية في إطار منظمة التحرير، كأن يُسمح لأبنائها وبناتها باختيار ممثليهم إليه، تماماً مثلما هو حال الجاليات العربية والأجنبية، التي يتيح الأردن لأبنائها ممارسة حقهم في الانتخاب والتصويت.
ولدينا جاليات، لا تقل حجماً، وإن كانت أقل حساسية، من هذه «الجالية» إن جاز التعبير..العراقيون وقد كانوا بمئات الألوف صوتوا في انتخابات 2005 وما بعدها..والمصريون وعددهم لا يقل عن ذلك، يشاركون في الاستفتاءات والانتخابات، وكذا الحال بالنسبة لجاليات أقل عدداً، تمارس بكل حرية، حقوقاً سياسية، والأردن من بين أكثر الدول العربية تسامحاً في هذا المجال، وكرماً في ميدان تقديم التسهيلات، فهل ثمة من هم أولى من الفلسطينيين الذي عاشوا على هذه الأرض الطيبة، سنوات وعقود، بممارسة هذا الحق؟!.
السلطة / المنظمة/ الفصائل تقول، أن هذا خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه..هذا صحيح إن تعلق الأمر بالأردنيين من أصول فلسطينية، بيد أننا هنا نتحدث عن فلسطينيين ليسوا أردنيين، أو لم يعودوا كذلك..فهل يجوز تعطيل مشاركة هؤلاء السياسية، ومنعهم من ممارسة حق أولي، كاختيار ممثليهم ونوابهم في مؤسساتهم الوطنية؟!..هل من حق السلطة والمنظمة والفصائل أن تقرر سلفاً (وقبل إجراء المحاولة واستطلاع الموقف)، أن تشطب حق هؤلاء في المشاركة في الانتخابات، هل المشكلة في الموقف الرسمي الأردني الأردني أم في رغبة هذه الأطراف الفلسطينية في «تقزيم» الاستحقاق الانتخابي الفلسطيني المقبل؟!
في ظني أن للأردن مصلحة في تمكين هذه الشريحة من ممارسة حقها الانتخابي، هذا يكرس القاعدة الذهبية التي استقرت عليها العلاقات الأردنية – الفلسطينية في العقد الأخير: (الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين)، ويُحجم فزاعة التوطين وشبحها، ..كما أن لفلسطين مصلحة في الأمر نفسه، إذ أنه سيضخ دماءً جديدة في عروق المؤسسة الفلسطينية المتيبسة والشائخة، ويعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد..وحدها إسرائيل هي الخاسر من أمر كهذا، لأنها تعمل ما بوسعها لفصل فلسطيني الداخل عن الخارج، وحصر ولاية السلطة في الضفة والقطاع (من دون القدس طبعاً)..وحدها إسرائيل لا تريد إحياء منظمة التحرير وبعثها، لأنها العنوان الذي يذكّر باللاجئين وحقهم في العودة إلى ديارهم إنفاذا لقرارات الشرعية الدولية.
نقاش هادئ، بعيداً عن المزايدات والمناقصات، يمكن أن يوصل الجانبين إلى تصور مشترك، يخدم مصلحتهما المشتركة على نحو أفضل..وطالما أن التوجه الفلسطيني العام هو لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، بدل تعيينهم، فلا بأس من البدء بالأردن، ومن على قاعدة «الأقربون أولى بالمعروف»، وحتى لا تظل الحقوق السياسية لمليون مواطن فلسطيني في الأردن مدرجة في سياق»المسكوت عنه».