عريب الرنتاوي
واشنطن ترفع "الراية البيضاء"، والرئيس أوباما في ولايته الثانية، سيقارب ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من زاوية رفع العتب..سيأتي إلى المنطقة "بلا مبادرة"، ولا خريطة طريق..ليس في نيته "التورط" عميقاً في هذا الملف..سيبدأ من حيث انتهى بيل كلينتون...سيترك الكرة في ملعب الأطراف، والأطراف هنا هما الاحتلال والسلطة الخاضعة له والمحاصرة به..إن تبدّى له أن ثمة نية للاستمرار في عملية السلام والتفاوض، سيلعب دور المُيسر والدعم لهذه العملية، وإن انتهى بخلاف ذلك، سيترك لهما أمر "تقليع أشواكهما بأيديهما"، ولا أشواك كما هو معروف في جسد الاحتلال..الأشواك والخناجر مغروزة عميقاً في جسد السلطة النحيل والمريض، وفي جسد شعبها المحاصر والمهدد في ماضيه وحاضره ومستقبله.
لن يمارس أوباما ضغطاً على إسرائيل لوقف الاستيطان أو تجميده أو حتى التباطؤ في أعماله..هذا الملف بات وراء ظهره..إدارته أبلغت الفلسطينيين عجزها عن فعل شيء يذكر في هذا المجال..ولا مجال لقبول مطلب الرئيس عباس "وشرطه" بوقف الاستيطان للانضمام إلى مائدة المفاوضات..هذا الأمر لم يعد مقبولاً ولا محمولاً في واشنطن، كل ما بوسع الرئيس أن يقدمه في ولايته الثانية، حديث فضفاض عن الاستيطان كعقبة على طريق السلام والمفاوضات، وعن الحاجة لوقفه وتعليق بعض أنشطته، كلام ليلٍ يمحوه النهار، لا أكثر ولا أقل.
لا قمة قريبة ثلاثية أو رباعية..لماذا القمة، إن كان سقف التوقعات منخفض جداً، فيما واشنطن تحرص أشد الحرص على إبقائه خفيضاً..القمة ستتقرر بعد جولة جون كيري في نيسان أو مايو المقبلين..بعد أن تكون حكومة نتنياهو الثالثة "قد استوت على عرشها"..وبعد أن تكون "الأطراف" قد درست أفكاراً "خلاقة" لاستئناف المفاوضات، ليس من بينها "شرط وقف الاستيطان"، هنا لا يجوز لأحد أن يكون خلاقاً أو مبدعاً..إن عاد كيري بمؤشرات إيجابية كنا على موعد مع "أنابوليس 2"، وربما "موسكو 1"..وإن لم يأت بما يقنع رئيسه بضرورة التحرك، عدنا إلى المربع الأول.
ليس ثمة ما يمنع أن يتقدم الرئيس برزمة أفكار، تندرج بين حدين..دعم خطوات إحادية متبادلة طالما أن الحل التفاوضي التوافقي يبدو متعذراً..وإجراءات بناء ثقة تبدأ ببعض المعتقلين المفرج عنهم وتنتهي ببعض الأموال التي قد تضخ في شرايين السلطة المتيبسة..هنا الوردة فلنرقص هنا.
الكرة في ملعب عباس ونتنياهو، هي العبارة الدبلوماسية "الوقحة" التي تعني أن مفاتيح الحل في يد نتنياهو..ما الذي بمقدور عباس أن يفعله لجعل التفاوض جاداً وجدياً، ما الذي بيده ليجعل السلام والدولة قاب قوسين أو أدنى...ليس في يده شيء على الإطلاق..مفاتيح اللعبة في يد اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، وهؤلاء قالوا كلمتهم منذ زمن بعيد: نريد الأرض والسلام معاً.
زيارته الخاطفة لرام الله، لن تمتد لأكثر من الوقت الذي ستستغرقه زيارته لمتحف الكارثة والبطولة (الهولوكوست)، وهي رمزية بامتياز، طالما أن هناك طرف فلسطيني يتعين المرور به، بعد أن مرت إسرائيل من فوقه..وزيارته للأردن، سوريةٌ أكثر من كونها فلسطينية، شاء الأردنيون أم أبوا..فجولة الرجل في المقام الأول والأخير، إيرانية – سورية بامتياز، لا تحتل فيها فلسطين سوى مكانة الملحق والهامش.
لن يمانع السيد الأمريكي في إتمام المصالحة الفلسطينية الداخلية، هكذا تنقل أوساط فلسطينية وغربية عن أجواء الإدارة..لكن حكومة المصالحة الوطنية، يجب أن تتمثل شروط الرباعية الثلاثة وتمتثل إليها..فلماذا وضع العصي في دواليب المصالحة، طالما أن لا عملية سلام في الأفق المنظور..وطالما أن واشنطن لم تُنه بعد شهر عسلها مع الجماعة الأم، جماعة الإخوان المسلمين، حيث يتكشف تباعاً، مزيد من التفاصيل عن عمق وجدية الحوار و"التعاون" بين واشنطن والجماعة..والأهم من كل هذا وذاك، طالما أن مفاتيح التحكم والسيطرة بحماس، ليس في جيب "أبو مازن"، بل في جيوب المرشد العام ومكتب الإرشاد، الذي لم يعد بحاجة لوسيط مع البيت الأبيض..كما يكشف عن ذلك سفير مصري وبلغة الأرقام والتواريخ والأسماء، و"الاجتماعات غير المسبوقة" في البيت البيضاوي.
يأتي أوباما ويروح، فيما واقع الحال في الأرض الفلسطينية المحتلة والمحاصرة، مقيم..يأتي جون كيري ويعود، فيما الأنياب الفولاذية لجرافات الاستيطان، تواصل قضم الأرض وتبديد الحقوق وتهديد المقدسات..يأتي الموفودون زرافات ووحدانا، فيما "حرب الأخوة الأعداء" لم تضع أوزارها بعد..مبادرة بعد أخرى، وعام بعد آخر، فيما تنسل الأرض الفلسطينية من بين أصابع أبنائها كما تنسل الروح من الجسد، ومع ذلك هناك من لا يزال يراهن على عملية سلام، وينتظر فرصة جديدة، لكأن ضياع مئات الفرص لا يكفي لإقناع هؤلاء بأن طريقهم مسدود..مسدود..مسدود.
نقلا عن موقع القدس للدراسات السياسية