الأسهل والأصعب في أزمة العلاقة بين «الدولة» والإخوان

الأسهل والأصعب في أزمة العلاقة بين «الدولة» والإخوان

الأسهل والأصعب في أزمة العلاقة بين «الدولة» والإخوان

 لبنان اليوم -

الأسهل والأصعب في أزمة العلاقة بين «الدولة» والإخوان

عريب الرنتاوي

من الأسهل على “الدولة”، أن تتهم الإخوان بما فيهم وما ليس فيهم ... فهم تارة أتباع “أجندات خارجية” وفي أعناقهم بيعة للمرشد، وهم يظهرون خلاف ما يبطنون، وتجربة “جماعتهم الأم” مع العنف والتنظيمات السرية، ليست خافية على أحد ... مع أن كل ما سبق سوقه من اتهامات، ليس جديداً أبداً، فالإخوان في “طلب ترخيصهم الأول” تحدثوا عن ارتباطهم بـ “الجماعة الأم”، والأردن فتح لإخوانهم الأبواب، بعد أن فشلت مغامراتهم في سوريا ومصر، وأجنداتهم السياسية أكبر من تخفيها الأجندات الدعوية والاجتماعية ... ومع ذلك، ظلوا على الأحضان طوال سنوات وعقود، حتى انتهت الحرب الباردة، وتلاشى خطر اليسار و”الحركات القومية”، وانطفأت نيران “الحرب الباردة”، وباتت الحاجة لهم معدومة، بعد أن استحالوا من ذخر إلى عبء، ومن شريك في الحكم إلى منافس عليه.
لكن من الأصعب على “الدولة”، الإقرار بأن الإخوان مكوّن رئيس، شرعي ومحترم، ولهم مطالب يتفق حولها كثيرون من الأردنيين، تحديداً في حقل الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي ... مثل هذا الخيار، يستوجب إحداث اختراق على هذا المسار الإصلاحي، وهذا غير مرغوب وغير متوقع في المدى المنظور ... من الصعب على “الدولة” أن تقر بأن إسلاميي اليوم، أكثر اعتدالاً من إسلاميي الأمس، وأنهم يقتربون من الخطاب المدني – الديمقراطي ولا يبتعدون عنه، وأنهم يدفعون ثمن اعتدالهم، لا ثمن تطرفهم كما يزعم البعض ... فالتطرف يقصي أصحابه، أما الاعتدال فيجعل منهم شركاء ومنافسين ومزاحمين، في إطار القانون وتحت مظلة الدستور، وهذا غير مرغوب به، لا من الإخوان ولا من غيرهم.
من الأسهل على الإخوان، حزباً وجماعة، أن تقذف بمشكلاتها الداخلية إلى الخارج، فتلقي باللائمة على “الدولة” وأجهزتها المختلفة، عن الصراعات المحتدمة الدائرة في داخلها ... مع أن لا الحكومة ولا أي جاهز، قادر على تحريك هذه الصراعات، لو كانت الجماعة صلبة ومتماسكة داخلياً حول رؤية موحدة، ولو نجح الإخوان في التوصل إلى صيغ تنظيمية مرنة قادرة على استيعاب الجميع تحت خيمة واحدة ... الإخوان يواجهون جملة من الصراعات المركبة: صراع أجيال، تيارات سياسية وفكرية، منابت وأصول، شخصية وعامة، وكل هذه الصراعات المتداخلة، أنتجت الحالة الراكدة والمأزومة التي تعيشها اليوم.
لكن من الأصعب على الجماعة، أن تقر بمشاكلها الداخلية، وأن تشرع في تطوير خطابها وبنيتها التنظيمية وممارساتها ... من الأصعب عليها، تجديد خطابها الفكري والسياسي، وأن تفتح باب الاجتهاد والتنوير، وأن تقرر بجرأة فصل الوطني عن الأممي، والسياسي عن الدعوي، والتسليم بضرورة تجديد دماء القيادة وإدارة الخلاف بعيداً عن منطق “السمع والطاعة”، فاشيّ الطراز، فمثل هذه الأساليب تليق بحقبة الخمسينات والستينات، زمن الأنظمة والحركات التوتاليتارية، لكن في زمن التحولات والموجات الديمقراطية الكبرى، فلا مطرح لمنطق (أو بالأحرى لا منطق) السمع والطاعة والبيعة وغير ذلك من مفردات، داعشية الطراز.
من الأسهل على “الدولة” أن تنفي رسمياً أي دور لها في تأزيم مشكلات الجماعة، ودفعها إلى هاوية الانشقاقات والانقسامات، وليس صعباً عليها الترويج لرواية تقلل من أثر هذا الدور وفاعليته من باب أضعف الإيمان ... لكن من الأصعب على “الدولة”، النطق بحقيقة أن تشقيق الجماعة وتفتيها لا مصلحة فيه للأردن ولا للجماعة، بل هو ضرر يحيق بالوحدة الوطنية، وتضييق قد يلحق الضرر بالأمن والاستقرار، ومعركة في غير معتركها، طالما ان الأولوية هي للحرب على الإرهاب وقوى التطرف والغلو، التي يصعب لعاقل أن يدرج الجماعة في صفوفها، حتى أولئك الذين يختلفون معها فكرياً وعقائدياً وسياسياً... من الصعب على “الدولة” الإقرار” بأنها تسعى في مكاسب آنية حتى وأن ترتب عليها خسائر صافية في المدى الأبعد.
من الأسهل على الجماعة أن تروّج لنظرية المؤامرة، وأن تتقمص دور “الضحية”، وأن تبالغ في تقدير أثر التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، وأن تجعل من كل هذا السرد، وسيلة لا لـ “شيطنة” الحكومة وأجهزتها، بل ولـ “شيطنة” و”حرق” الخارجين على نظام البيعة والسمع والطاعة، من زمزم إلى “جمعية الجماعة”، وربما غداً المزيد من الأسماء والعناوين، كتيار الشباب والكتلة التي تتحرك في المنطقة الوسطى ما بين الجماعة ومراقبها العام الأصيل من جهة، والجمعية ومراقبها العام البديل  من جهة ثانية... لكن من الأصعب على الجماعة أن تبذل المزيد من الجهد والتضحيات، للملمة صفوفها وسد الثغرات التي يتسلل “الخارج” منها، وإعادة انتاج وحدة الحركة وخطابها ونظامها الداخلي وشبكة تحالفاتها... نفتح هنا قوساً لنشير إلى أن عملية “الحرق” هذه، خبرناها في تجارب مختلف التيارات الفكرية والسياسية العربية، وكانت أحياناً تصل حد التصفية الجسدية، نحمد الله أن في الأردن ما زال هناك، دولة وقانون وأجهزة ومؤسسات.
في الصراع المفتوح داخل الجماعة وعليها، ثمة خيارات سهلة، تودي إلى الهلاك والتهلكة، وتبعد المهتمين بمساعي “التقريب” بين مدارس الجماعة واتجاهاتها، عن معالجة جذر الأسباب والتصدي لعناصر الخلل ... أما الخيارات الصعبة، فهي تملي على أصحابها، تنكّب المهام الجسام واتخاذ القرار الصعبة، إن لجهة تطوير مسار إصلاحي حقيقي من قبل “الدولة” أو لجهة تطوير خطاب إصلاحي مدني ديمقراطي، من قبل الجماعة ... أسهل الحلول أن نظل ندور في دائرة الاتهامات والاتهامات المضادة، مع أن الأردن، قبل الحكومة والجماعة، وأكثر منهما، هو الخاسر الأكبر في هذا الملف المفتوح، إن لم يكن على المدى المباشر، فعلى المديين المتوسط والبعيد.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسهل والأصعب في أزمة العلاقة بين «الدولة» والإخوان الأسهل والأصعب في أزمة العلاقة بين «الدولة» والإخوان



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon