الاستدارة الأمريكية حين تكتمل

الاستدارة الأمريكية حين تكتمل؟!

الاستدارة الأمريكية حين تكتمل؟!

 لبنان اليوم -

الاستدارة الأمريكية حين تكتمل

عريب الرنتاوي

دعوة الوزير جون كيري لمفاوضات مع الأسد من أجل “حل سياسي” للازمة السورية، ليست بداية الاستدارة في الموقف الأمريكي من النظام في دمشق، وقد لا تكون نهايتها، مع أنها محطة جديدة ونوعية من محطاتها التي بدأت بـ “الاتفاق الكيماوي” عبر الوسيط الروسي ... قبل كيري، كان جون برينان مدير الاستخبارات يتحدث عن “حرص” أمريكي – روسي – غربي على منع انهيار مؤسسات الدولة السورية ... وقبلها كنّا كشفنا عن معلومات لا يرقى إليها الشك، عن لقاءات أمنية رفيعة المستوى تمت بين الجانبين في عاصمة من عواصم المنطقة، والأرجح أن قادمات الأيام ستكشف عن حلقات جديدة في هذا المسلسل، الذي بدأ بسياسة “النأي بالنفس” وتطور إلى “إطالة الأزمة وإدارتها”، ويتجه الآن – ربما – إلى الحل السياسي لها.
الأسد استقبل تصريحات كيري بكثير من الحذر والتحفظ، لا شك أنه أدرك مبتهجاً لأهميتها ودلالاتها، لكنه آثر “انتظار الأفعال وعدم الاكتفاء بالأقوال” ... ومن أجل فهم أعمق وأدق لمغزى التحوّل في موقف واشنطن، يتعين قراءة ردة الفعل التركية التي عبر عنها وزير خارجية أنقرة، والتي كانت أقرب إلى “حفلة ردح وجنون”، تكفي في ظني لإدراك حجم “الإحباط والخيبة” من مواقف واشنطن اللذان يعتملان في أوساط بعض أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
المعارضة، خصوصاً في الخارج، كعادتها، تستقبل كل جديد في المواقف والتحالفات، بانقسام جديد في أوساطها ... بعضهم فضّل الاستمرار في “حالة الإنكار” مستعيناً بتوضيحات ماري هارف التوضيحية... وبعضهم الآخر شن على واشنطن هجمة “مُضرية” مشدداً على المضي في “الثورة” حتى النهاية، غير آبه بمواقف المجتمع الدولي، لكأن جحافله باتت على أبواب القصر الرئاسي في دمشق، ولم يعد يمنعها من اختراق أسواره، سوى تصريح “أحمق” يصدر عن واشنطن.
التحوّل في الموقف الأمريكي يعقب تحوّلات مشابهة أجرتها عواصم دولية عديدة، أوروبية بشكل خاص، فضلاً عن بعض العواصم العربية والإقليمية ... وسط تقديرات تشير إلى توفر فرصة جدية، ربما لأول مرة منذ اندلاع الأزمة قبل أربع سنوات، لولوج عتبات الحل السياسي المنتظر والمنشود .... ولو كنت في موقع “الناصح” للمعارضات السورية، لقلت بأنه يتعين عليها التركيز على “شروط الحل” و”مواصفات التسوية” المقبلة، بدل التركيز على خطاب خشبي متقادم، نعرف ويعرفون، أن أحداً لم يعد يصغي إليه خارج إطار ثلاث أو أربع عواصم إقليمية ودولية.
وأحسب أن فسحة الزمن المتاحة لإجراء هذا التقييم والتقويم في مواقف المعارضات ليست رحبة للغاية، وهي تقاس بالأسابيع والأشهر على أبعد تقدير ... لأن قرار الحرب والحل في سوريا لم يعد بيد الأطراف المحلية في الصراع، وفي ظني أن ثمة توافقات دولية – إقليمية على وجوب التوجه إلى مثل هذا الحل، ستتضح أكثر، وتكتسب زخماً جديداً في حال التوصل إلى اتفاق حول برنامج طهران النووي، وهو اتفاق بات منتظراً خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة، برغم الاعتراضات الإسرائيلية شديدة اللهجة، وبرغم “التحذير” السعودي من مغبة إطلاق سباق تسلح نووي في المنطقة، إذا ما أبقى الاتفاق لطهران القدرة على امتلاك التكنولوجيا النووية.
خلاصة القول، إن العالم لن ينتظر المعارضات السورية حتى تفرغ من “ماراثوناتها” المملة لتوحيد فصائلها شخصياتها المتصارعة، تلك الماراثونات التي كلما تكاثرت وتلاحقت، كلما تلاحقت انشقاقات المعارضة، ونشأت أسماء وكيانات جديدة تتدثر بلحافها، مع أن بعضها لا يتجاوز في عديده أصابع اليد الواحدة، دع عنك حكاية “الممثل الشرعي الوحيد”، ونأمل أن يكون لقاء “17 نيسان” المقبل للمعارضات في القاهرة، بداية إدراك لجديد الوضع الدولي الناشئ.
بعد كل ما أصاب سوريا والسوريين من خسائر بشرية ومادية مدمرة، من المؤسف أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، فالشعب السوري الذي قلنا أنه يستحق نظاماً سياسياً أفضل من هذا، قبل أن نعود ونؤكد أنه يستحق معارضة سياسية غير تلك التي عرفناها في السنوات الأربع الأخيرة، من حقه أن يعود لإعمار بلده وتضميد جراحاته، في مناخات من الحرية والتعددية والديمقراطية، وعلى قاعدة الاحترام العميق لحقوق الإفراد والجماعات، فالفساد والاستبداد لم ينتجا إلا الخراب المقيم، وإعادة بناء سوريا الحديثة، غير ممكنة، من دون دولة مدنية – ديمقراطية، ومواطن حر كريم وعدالة اجتماعية يتلمس ثمارها الجميع، من دون تمييز على أي أساس كان.
المعركة الآن تدور حول “شروط الحل السياسي”، ومن غير الجائز أن تواصل بعض المعارضة الإصغاء للنصائح السوداء من بعض العواصم العربية والإقليمية، وعليها ألا تخطئ من جديد في قراءة اتجاهات هبوب الريح الدولية، والأهم أن عليها أن تصغي لنبض الشارع السوري وأنينه، بعد رحلة العذاب التي مر بها خلال السنوات الأربع العجاف الفائتة ... وعلى النظام أن يدرك في المقابل، أن ليس هناك من منتصر في هذه الأزمة، وأن يقدم من دون انتظار، على إطلاق سلسلة من “إجراءات بناء الثقة” بدءا بالإفراج عن المعتقلين غير الملطخة أيديهم بدماء السوريين، والتوسع في المصالحات، واستقبال العائدين إلى بلادهم من دون ملاحقات أمنية، وإشاعة مناخات من المصالحة الجدية.
وعلى المجتمع الدولي الذي يبدو أنه “تحرر” أخيراً من “عقدة الأسد”، أن يضغط باتجاه إنجاز سلسلة من الإصلاحات السياسية والحقوقية والدستورية، وأن يوفر لها شبكة الأمان الضرورية، فطالما أن الرهان على “التغيير” في سوريا قد سقط، فلا أقل من تجديد الرهان على “الإصلاح”، وهذا أضعف الإيمان بعد سقوط ربع مليون قتيل وخسارة ربع ترليون دولار من الممتلكات العامة والخاصة، ناهيك عن فقدان جيل بأكمله لحقوقه الأساسية في الحياة والصحة والتعليم والكرامة والعيش الآمن.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستدارة الأمريكية حين تكتمل الاستدارة الأمريكية حين تكتمل



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon