الحرب بالإفتاء أو الإفتاء بالحرب

الحرب بالإفتاء أو الإفتاء بالحرب

الحرب بالإفتاء أو الإفتاء بالحرب

 لبنان اليوم -

الحرب بالإفتاء أو الإفتاء بالحرب

عريب الرنتاوي

ثلاث عينات لفتاوى صدرت مؤخراً عن “مراجع” مختلفة، تتكشف عن جملة ظواهر خطيرة ومؤسفة في الآن ذاته: فتوى “هيئة علماء المسلمين في تركيا” بعنون “مصر الكنانة”... فتوى الأزهر الشريف بعنوان “مصر المحروسة” رداً على الأولى ... فتوى “هيئة كبار العلماء المسلمين في لبنان” بخصوص “الشيخ المجاهد” أحمد الأسير الذي وقع في قبضة الأمن اللبناني، وهو في طريقه متنكراً إلى نيجيريا عبر القاهرة انطلاقاً من مطار بيروت.
“مصر الكنانة”، كما “مصر المحروسة”، فتويان جاءتا على شكل “بيان سياسي” مصاغ بلغة فقهية و”شرعية” ركيكة، وظيفة الأولى، “شيطنة” نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعبيراً عن توجه محور بأكمله: تركي – قطري – إخواني، لا يخفي عداءه الشديد للحكم المصري، بل ويبدو متورطاً في أعمال العنف التي تجتاح البلاد وتفتك بحياة العباد، والتورط هنا لا يقتصر على التحريض وبث ثقافة الكراهية تحت شعارات “الجهاد”، بل الانخراط المباشر في كثير من الأعمال العنفية التي لا اسم يناسبها أو يليق بها غير “الإرهاب”.

“مصر المحروسة” الصادرة عن مؤسسة الأزهر، جاءت على شكل بيان سياسي صادر عن وزارة الإعلام أو الناطق باسم الرئاسة، ولكن بلغة أزهرية صارمة ومقعرة ... فيها تندرج الرواية المصرية الرسمية للتطورات منذ ما بعد سقوط نظام المخلوع محمد حسني مبارك ... “شيطنة” الإخوان وحكمهم وجماعتهم ورموزهم وخطابهم، هو هدف الفتوى الأسمى، وإضفاء “الشرعية الدينية” على سلوك النظام، هو الوسيلة لذلك، دع عنك “حشد” التفاصيل المملة الواردة فيها، والتي تليق ببرنامج حواري من تلك التي اشتهر بها الإعلام المصري الخاص مؤخراً، والتي تحوّلت إلى برامج “ردح” من النوع الهابط.

“هيئة كبار العلماء المسلمين في لبنان”، ومن موقع الغيرة على الطائفة السنية، شنّت هجوماً لاذعاً على الأمن اللبناني لاعتقاله “الشيخ” أحمد الأسير، المحكوم غيابياً بالإعدام في قضايا قتل الجنود اللبنانيين في واقعة “عبرا” الشهيرة... الشيخ المعروف بمواقفه النارية من الجيش والدولة وحزب الله والشيعة، والداعية التكفيري بامتياز، والرجل الذي قاد شخصياً الجماعات الإرهابية في مدينة صيدا، وتفاخر وتابعوه بقتل الجنود اللبنانيين، بات “رمزاً سنياً”، واستهدافه لا يعني بالنسبة لهؤلاء “العلماء الكبار” سوى استهداف لطائفة بأكملها ... هكذا تختزل الطائفة بهيئة والهيئة بـ “الأسير” فهنيئاً للبنانيين السنة، إن كان الأسير رمزاً لهم، أو حتى رمزاً من رموزهم.
نحن إذن، أمام فصل جديد من فصول “حرب الفتاوى والإفتاء”، بل نحن أمام جولة جديدة من جولات “الإفتاء للحرب”... معنى فتوتي إسطنبول والقاهرة، أن حرب داعس والغبراء (اقرأ داعش والغبراء)، بين الإخوان والنظام المصري، باتت حرباً دينية مقدسة، يتعين الاستمرار فيها وتصعيدها، حتى وإن كان وقودها الناس والحجارة والعمارة والسياحة ولقمة عيش المواطنين.

ومعنى فتوى من يطلقون على أنفسهم “علماء المسلمين” في لبنان، أنها حرب السنة ضد أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية (دع عنك الحرب على بقية الملل والنحل)، لأنها تجرأت على اعتقال مجرم فار، في رقبته حيوات العديد من اللبنانيين، من مدنيين وعسكريين ... وليس مهماً بعد ذلك، ما يرد في الفتوى من قصص حول “ازدواجية معايير” الأجهزة الأمنية، فإن كانت هناك معايير مزدوجة كتلك التي أوردتها الفتوى، ورددها من ورائها قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، فلا بأس من شن أوسع الحملات ضد القائمين عليها، لتصحيح الانحراف والعودة عن الخطأ، لكن أن تكون ازدواجية المعايير هذه، ذريعة للتنديد باعتقال الأسير والمطالبة بإطلاق سلاحه، فتلكم بلا شك مصيبة كبرى، وتصبح المصيبة أعظم، عندما يصدر قول كهذا عن هيئة أعطت لنفسها وصف “هيئة كبار العلماء”.

هي فتاوى الفتنة، تقابلها فتاوى السلاطين، تفوح منها رائحة النفاق والمداهنة، والتحريض على العنف والكراهية ... والمؤسف أنها تصدر عن “عليّة القوم” أو “كبار العلماء” و”المرجعيات”، فما بالنا والحالة كهذه، نلوم “صغار القوم” و”الشباب الطائش” و”الجهلة والغوغاء” وغير الراسخين في العالم؟
لن يصلح لهذه الأمة حال، طالما أن هذا هو حال “علمائها ومرجعيّاتها” ... ولن تنتصر الأمة في حربها على التطرف والغلو، طالما أن هذه هي أدواتها ... وبعد ذلك، ورغم ذلك، هناك من يستهجن الدعوة للإصلاح الديني وتجديد الخطاب والثورة على المؤسسات، الرسمية منها وغير الرسمية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب بالإفتاء أو الإفتاء بالحرب الحرب بالإفتاء أو الإفتاء بالحرب



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon