عريب الرنتاوي
الأنباء الأولية، ترجح فوز الإصلاحيين والمعتدلين في انتخابات مجلسي الشورى والخبراء الإيرانيين... إن صح هذا الترجيح، والأرجح أنه صحيح، فإن من المنتظر أن تشرع إيران في تعديل مقارباتها القديمة، أو ربما، اعتماد مقاربات جديدة حيال سواء حيال أزمات المنطقة المفتوحة، أو في علاقاتها مع المجتمع الدولي... بل وقد تدشن هذه الانتخابات مرحلة الانتقال بإيران من الثورة إلى الدولة.
الكثير سيعتمد على توازنات القوى بين التيارات الثلاثة الرئيسة في المجلسين المذكورين، وبالأخص مجلس الخبراء المولج بمهمة اختيار المرشد العام والقائد الأعلى، الولي الفقيه، وهذا المجلس بالذات، قد يجد نفسه أمام هذه المهمة في ظل تقدم السيد علي خامنئي في السن، والتقارير المتواترة حول حالته الصحية ...وفي ظل الأنباء التي تتحدث عن صراع محتدم بين محافظين ومعتدلين وإصلاحيين، ومع توارد التقارير عن وجود كتلة وازنة من المستقلين، غير المحسوبين على أي من هذه التيارات، فإن من المهم معرفة التوازنات الدقيقة للقوى بين هذه الكتل والاتجاهات الرئيسة.
كان متوقعاً أن يستثمر الرئيس حسن روحاني وحلفاؤه من إصلاحيي إيران، توقيع الاتفاق النووي وقرارات رفع العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية عن البلاد، في الانتخابات، وأن يعزز مواقع الإصلاحيين في مؤسسات الحكم المنتخبة، وهذا ما حصل فعلياً، حيث صوت الإيرانيون التوّاقون إلى الخروج من شرنقة الحصار والعقوبات لصالح مرشحي هذا التيار، لكن وبالنظر لحداثة عهد الاتفاق وقرارات رفع العقوبات، فإن كثيرا من الإيرانيين كذلك، لم يتلمسوا بعد الأثر المباشر للنجاحات التي حققها التيار الإصلاحي في السياسة الخارجية.
وربما لهذا السبب بالذات، قد نكون أمام نتيجة، يسجل فيها الإصلاحيون تقدماً من دون أن يحققوا اختراقا ... وقد نكون بحاجة لوقت أطول، للتعرف على الميول السياسية والفكرية لكتلة “المستقلين”، التي قد تلعب دور “بيضة القبّان” بين التيارات المتنافسة ... وقد يفضي احتمال كهذا، وهو ليس مستبعداً على أية حال، إلى استمرار بعض المراوحة في إصلاح السياستين الداخلية والخارجية على حد سواء.
في مطلق الأحوال، فإن اتفاق إيران النووي مع المجتمع الدولي، وما بعده، قد أطلق ديناميكيات جديدة في الداخل الإيراني، سيكون لها انعكاساتها على السياسة الخارجية، إن لم يكن فوراً، على المديين المتوسط والبعيد... وهذا ما يرقبه الغرب بكثير من الاهتمام، حيث تشهد طهران موجة حجيج لقادة سياسيين وممثلي شركات كبرى لاستطلاع الموقف عن كثب، وتقرير الكيفية التي سيجري التعامل بها مع “إيران ما بعد الحصار”.
المؤسف حقاً، أن العرب قرروا انتهاج سياسة “رد الصاع صاعين” لإيران في اللحظة الخطأ، أو متأخرين عدة أعوام على أقل تقدير ... فعندما لاحت في الأفق بوادر تغييرات إيجابية في المشهد الإيراني الداخلي وفي سياسة طهران الخارجية، بدأنا نسمع قرع طبول الحرب على إيران وحلفائها وامتداداتها، إلى غير ما هنالك، لكأننا نريد أن ندفع بالتيار المحافظ والمتشدد دفعاً، إلى مواقع الهيمنة والصدارة في معادلة الحكم وتوازناته ... وهو أمر لم تفعله الحكومات العربية، عندما كان الأصوليون المتشددون يتولون دفة القيادة في إيران.
نقطة ضعف هذا التوجه أنه يبدو خروجاً عن سرب الإجماع الدولي ووجهة الدول الكبرى في تعاطيها مع إيران، إذ حتى الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، لم تجد ما تنصح بها حلفاءها من المعتدلين العرب، غير دعوتهم للشروع في حوار ومصالحة مع طهران، وبحث كافة القضايا الخلافية على موائد الدبلوماسية.
عندما كانت إيران في ذروة “ثوريتها” و”عزلتها” اختار العرب طريق المهادنة والتساكن مع الطموحات الإيرانية، وعندما جنحت إيران لخياراتها الإصلاحية، وتهافت العالم عليها، انتهج العرب طريق التصعيد. لم تحقق المقاربة الأولى سوى تعزيز الدور والنفوذ الإيرانيين في المنطقة، والمؤكد أن المقاربة الثانية، لن تنتهي بنتائج مغايرة... ما يجعل المثل السائد: أن تصل متأخراً خير من ألا تصل، خاطئاً بامتياز.