عريب الرنتاوي
ثمة مؤشرات دالّة على وجود تطور نسبي في أداء مجلس النواب السابع عشر، بعد عامين حافلين بالهفوات والإخفاقات التي أساءت لصورة المجلس ومسّت بهيبته ومكانته، سواء في إطار النظام السياسي أو على مستوى الرأي العام ... من هذه المؤشرات، المناقشات التي جرت بخصوص الموازنة وتقرير اللجنة المالية ... منها أيضاً الدور الذي تضطلع به المبادرة النيابية في صوغ وبلورة مواقف ومقاربات ديمقراطية وتقدمية حيال بعض السياسات العمومية من نوع “الحقوق المدنية” و”التعليم العالي” وغيرها ... من بينها اتجاه النواب للتجمع في كتل كبيرة، وائتلاف هذه الكتل في تحالفات كبرى ... من بينها أيضاً وأيضاً، تعامل المجلس ممثلا بلجنته القانونية بجدية ومسؤولية في قضايا رفع الحصانة إلى غير ما هنالك.
هذا بالطبع، لا يقلل أبداً من شأن الإخفاقات والمظاهر السلبية التي اعتورت وتعتور عمل المجلس ... بعضها موضوعي، تمليه “مخرجات” قانون انتخابي ضعيف ... وبعضها الآخر، ذاتي، يتعلق بأداء النواب أنفسهم، وميل بعضهم لتغليب حسابات صغيرة، أو التصرف بما يخرج عن قواعد العمل النيابي وأصوله، ودعونا لا نقلل أبداً من شأن “قلة الخبرة” التي تميز نسبة لا بأس بها من السادة والسيدات أعضاء مجلس النواب، الذين وصلوا قبة البرلمان من دون أية تجربة حزبية أو سياسية أو خبرة في مجال المدني والعمل العام.
لقد كان للإصلاحات التي أدخلها المجلس على نظامه الداخلي، أثراً مهماً في تحسين أداء المجلس، واختصرت كثير من مظاهر هدر الوقت والثرثرة تحت القبة والتصرفات الاستعراضية، كما أن مأسسة الكتل وتنظيم عملها، لعب دوراً مهماً في “ترشيق” أداء المجلس، برغم كل ما قيل أو يمكن أن يقال عن ضعف هذه الكتل، وقيامها على أسس شخصية، غير سياسية وغير برامجية ... كما أن التطور الذي طرأ بنية مكتب المجلس، والتوسع في عمل اللجان وإعادة تعريف أدوارها، لعب دوراً مهماً كذلك على هذا الصعيد.
لكن الكثير ما زال يتعين فعله لجهة المزيد من الإصلاحات في النظام الداخلي للمجلس، وإنجاز مدونة سلوك نيابية، تُقرأ معه كوحدة واحدة، انسجاماً مع حاجة المجلس لاستعادة صورته واستنهاض دوره أولاً، وتلبية لأهم المعايير والتجارب الفضلى دولياً، واستجابة لخطابات العرش وردود المجلس عليها، والتي جاءت جميعها مشددة على ضرورة إنجاز هذه المهمة.
معنى ذلك، أن هناك فرصة لإدخال المزيد من التطوير والتحسين على أداء المجلس، في ظل تركيبته الحالية، وعدم انتظار وقوع المعجزة واستصدار قانون جديد للانتخاب، يسهم في خلق “طبقة سياسية” جديدة، ونواب من مرجعيات وخلفيات وخبرات مغايرة، حتى لا يتحول قانون “الصوت الواحد” إلى ذريعة لنفض اليد من كل المجالس التي جاءت بموجبه، وحتى لا نفقد قدرتنا على الإصلاح والاستمرار في تعليقه على شرط تغيير قانون الانتخاب.
ولكي لا يُساء الفهم، نقول، إن قانونا جديدا للانتخاب، متخففا من آثار الصوت الواحد، صديقا للأحزاب والنساء والنخب الأردنية الحديثة، أكثر عدالة في التمثيل، وأقل إفساحاً في المجال لتأثيرات المال السياسي والنفوذ غير المشروع، من شأنه أن يقلب صورة مجلس النواب، رأساً على عقب، إن لم يكن من أول دورة انتخابية، فبعد دورتين أو ثلاث دورات على أبعد تقدير، ومن شأنه أن يخلق حياة حزبية ونظاما حزبيا مغايرا، وأن يفتح طريق الديمقراطية البرلمانية القائمة على التعددية الحزبية، وهو المقدمة الضرورية لخوض غمار تجربة الحكومات البرلمانية، التي ما زالت وعداً معلقاً على شرط وجود أحزاب قوية، وهو الشرط المتعذر من دون قانون جديد للانتخاب ... حيث تمس الحاجة اليوم، وأكثر من أي وقت، وفي سياقات الحرب على التطرف والغلو، لمغادرة هذه الحلقة المفرغة، التي ندور في داخلها منذ اثنين وعشرين عاماً.
وأحسب أننا بحاجة لورشة عمل وطنية كبرى، هدفها إعادة التعريف بدور المجلس ووظيفة النائب، بعد أن تعرضا لتشويه منظم خلال العقدين الفاتين، من هنا، تمس الحاجة أيضاً لتقديم رزمة قوانين الإصلاح السياسي، كحزمة واحدة، فقانون الأحزاب لا يناقش بمعزل عن قانون الانتخاب، والأخير لا يمكن فصله عن قانوني البلديات واللامركزية، ومن الخطأ عرضها على مراحل ودفعات، والأولى أن تقدم مجتمعة وأن تناقش مجتمعة وأن تقر سوياً، وبعد جولات من الحوار الوطني الهادف بناء توافقات وطنية، فهذه القوانين بحكم طبيعتها، هي قوانين توافقية، توضع بالتوافق، وتقر بالتوافق وتعدل وتتغير بالتوافق أيضاً.