عريب الرنتاوي
مقدماً، رسمت واشنطن سقفاً خفيضاَ للنتائج المتوقعة لقمة كامب ديفيد الأمريكية – الخليجية: الرئيس أوباماً يقلل من شأن التهديدات الإيرانية لأمن الخليج، ويُقّدم عليها التهديد الإرهابي ... يتحدث عن تهديدات الداخل الخليجي الأكثر خطورة من تهديدات الخارج ... مستشاروه أوضحوا بصورة لا لبس فيها أن «لا معاهدة دفاعية» ولا «اتفاقات أمنية مكتوبة»، أما عن الأسلحة والتسلح فالمسألة برمتها محكومة بسقف الالتزام الأمريكي بتفوق إسرائيل النوعي والاستراتيجي في المنطقة.
واشنطن ماضية في مفاوضاتها مع إيران وصولاً للاتفاق النووي، شاء حلفاء واشنطن أم أبو ... والاتفاق يستوجب إنهاء الحصار والعقوبات، بصرف عن النظر عن تفاصيل هذه العملية، وكل ما يرد واشنطن من اقتراحات وتساؤلات خليجية من نوع: ماذا ستفعل إيران بالمائة وعشرين مليار دولار المفرج عنها، تثير السخرية في واشنطن، ولا تعامل بجدية على الإطلاق.
من الآن فصاعداً، ستنشط القناة الثنائية الأمريكية – الإيرانية لمعالجة أزمات الإقليمية وحرائقه المشتعلة ... واشنطن لم تنتظر حتى الثلاثين من يونيو القادم لفعل ذلك، بل بادرت للاتصال والتنسيق مع طهران في أزمة اليمن كما بات معروفاً للجميع ... وليس مستبعداً بعد الصيف القادم، وفي حال سارت أمور «النووي» على ما يرام، أن تسعى واشنطن في لعب دور «الوسيط النزيه» بين حلفائها القدامى وصديقتها الجديدة؟!
بخلاف «الرطانة» الإنشائية التي تطرب المستمعين من قادة المنطقة، لم يتكشف سيل التصريحات الأمريكية المرحبة بقادة الخليج والمثمنة للعلاقات الممتدة منذ روزفلت، عن أية فكرة جدية، تطفئ الظمأ الخليجي للأمان والاطمئنان ... كل ما صدر لا يزيد عن «خطاب النوايا الحسنة» و»الرغبة الأكيدة» في توسيع تجارة السلاح، غير «الكاسر للتوازن» مع إسرائيل بالطبع... بخلاف ذلك، لم نقرأ أية فكرة أو مبادرة نوعية محددة، من شأنها أن تحدث فرقاً أو تفضي إلى تغيير في المقاربات الأمريكية حيال المنطقة.
وعند استعراض الأزمات الإقليمية، نرى التباعد الأمريكي – الخليجي على حاله ... واشنطن أكثر جدية في مساعي «الحل السياسي» للازمة اليمنية، وهي وإن دعمت (لوجستياً واستخبارياً وسياسياً) الحرب السعودية على اليمن، إلا أنها ظلت منذ اليوم للحرب، تدعو للحل السياسي التوافقي بمشاركة جميع الأطراف، وكانت المبادرة لطلب وقف «عاصفة الحزم» والضاغطة من أجل «الهدنة الإنسانية» ... هذه المواقف لم ترق لكثير من أصحاب الرؤوس الحامية في المنطقة، الذين يستسهلون قرارات الحرب من دون إدراك عميق وحساب دقيق لعواقبها وعقابيلها.
في الإقليم، ترى واشنطن أن الحرب على الإرهاب هي الأولوية الأولى التي لا يتعين أن تسبقها أية أولوية أخرى ... الموقف الخليجي (بعض الخليج) يذهب بعكس هذا الاتجاه ... بل ان بعض دوله متورطة في دعم جماعات مصنفة إرهابية في سوريا وصولاً لليبيا مروراً باليمن، والانفتاح غير المسبوق على «جبهة النصرة»، توجه لا يلقى استحساناً في واشنطن، بل ويثير قدراً من القلق والمخاوف.
في سوريا، ارتفعت نبرة «عاصفة الحزم» ضد النظام وحلفائها ... ضخت الأموال والأسلحة الكاسرة للتوازنات، ويجري على عجل، ترتيب لقاءات واجتماعات، تمهيداً لمؤتمر الرياض الذي سيبحث في مرحلة ما بعد الأسد، لكأن الحرب في سوريا قد شارفت على وضع أوزارها، ولم يبق سوى البحث في تفاصيل «سيناريو اليوم التالي» ... واشنطن ما زالت على موقفها «الانتظاري» في سوريا ... تريد الأسد ولا تريده ... تريد الحل السياسي وتدعم خيار التسليح والتدريب ... تتحدث عن أولوية محاربة داعش في المنطقة، وتتعامل برقة معها في «الرقة» ... فيما بعض دول الخليج، حسمت أمرها على ما يبدو، وقررت الذهاب في تجريب «السيناريو الأفغاني» ضد النظام حتى نهاية المطاف.
أجواء الخيبة والخذلان، تطغى على الأوساط السياسية والإعلامية الخليجية عموماً ... لم يصدق كثيرون أن واشنطن لن تخوض عنهم حروبهم ... أحدهم بلغ به «الهذيان» حد انتقاد «ازدواجية الولاء» الأمريكي، مرة مع الرياض وأخرى مع طهران، لكأن صاحبنا الأكاديمي نسيَ في إحدى نوبات «حرده» أن عاصمة الولايات المتحدة هي واشنطن، وأن ولاء الإدارة الأمريكية لها وحدها في المقام الأول والأخير ... بعض النقد يمتزج بالعتب وأحياناً بالإحساس العميق بالصدمة، بعد اكتشاف حقيقة أن المال لا ينفع لشراء كل شيء، وأن المال ليس متوفراً في هذه المنطقة وحدها، وأن بريقه لا يخطف جميع الألباب، بمن فيها ألباب الباكستانيين.
بعضهم ماضٍ في غيّه، ويعد بإعادة انتاج «عاصفة الحزم» في ساحات وميادين أخرى، من دون أن يكلف نفسه طرح السؤال البديهي: هل نجح «سيناريو العاصفة» في اليمن، حتى يُعاد انتاجه في ساحات وميادين أخرى؟! ... يبدو أنه سيتعين علينا الانتظار بمزيد من الوقت، قبل أن تبرد بعض الرؤوس الحامية وتهدأ كثيرا النفوس المضطربة ... لكن المؤسف أن شلال الدم في هذه المنطق سيواصل التدفق، وبغزارة، قبل أن يتعلم بعضنا الدرس جيداً ويصغي لصوت العقل والمنطق والحكمة، ويجنح لخيارات التفاوض والحوار والحلول السياسية.