عريب الرنتاوي
حشدت المعارضة السورية المسلحة، مدعومة بفيض من الأسلحة والذخائر الحديثة، وبالتسهيلات التركية واسعة النطاق، حشدت ما يقرب من عشرة آلاف مقاتل لحسم معركة حلب، لجعلها “عاصمة حكومتها المؤقتة”، من ضمن استراتيجية إقليمية ودولية حملت عنوان “تغيير موازين القوى على الأرض” لإجبار النظام على التخلي عن الأسد وقرابة المائة من مستشاريه وأعوانه، والشروع في مفاوضات سياسية ذات مضمون، تنتهي بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
لكن رياح المعارك لم تهب بما تشتهي أشرعة المعارضة وحلفائها الإقليميين والدوليين، فما كان مقدراً له أن يكون “معركة الحسم”، تحوّل إلى ضربة موجعة لمقاتلي المعارضة، وبالذات في أوساط “جبهة النصر”، ونجح النظام في استعادة مواقع استراتيجية وفتح طرق كانت المعارضة تسيطر عليها وتقطع على قواته، طريق إمدادتها، كما استرد بعض مطارات حلب التي كانت شريان دعم وإسناد لقواته.
وثمة تقديرات، بأن “معركة الحسم” ستنتقل إلى حمص، وسط معلومات تؤكد وجود قرار استراتيجي لدى النظام، وبعض حلفائه اللبنانيين (حزب الله) بمنع سقوط حمص وجوارها و”عقدة مواصلاتها” في يد المعارضة السورية، نظراً لمكانة المدينة (وجوارها) الاستراتيجية، سواء في الحرب الحالية على النظام، أو في سياق “الخطة ب” التي قد يلجأ إليها النظام في حال “ارتخت” قبضته على حلب ودمشق.
ولعل هذا ما يفسر تضارب المواقف بين أركان النظام حول شروط الحوار مع المعارضة المسلحة، إذ في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية السوري من طهران، أن دمشق على استعداد للحوار مع الجميع، بمن في ذلك المعارضة المسلحة، جاءت تصريحات الرئيس السوري لصحيفة الصنداي تايمز، لتضع شرط “إلقاء السلاح” أولاً، قبل بدء الحوار..يبدو أن تصريحات الوزير جاءت سابقة للتطور الميداني الأخير الذي تقول صحف لبنان المقربة من النظام السوري، بأنه “أسعد” الأسد وأثار ارتياحه.
على أية حال، يبدو أن “أحلام الحسم العسكري” ما زالت تراود طرفي الصراع في سوريا..المعارضة ما زالت على رهانها سياسياً وميدانياً..والنظام ما زال يقتات على “أوهام الحسم العسكري”..ما ينذر باستطالة الصراع وإطالة أمده، لا سيما في غياب “التوافق الدولي” على عناصر الحل السياسي للأزمة السورية، والذي يُعتقد أنه قد لا يتبلور قبل قمة بوتين – أوباما في أيلول / سبتبمر القادم.
وثمة ما يشي بأن الأطراف الإقليمية والدولية، باتت تتصرف على هذا الأساس وتتكيف معه..حلفاء المعارضة من عرب وأتراك وأوروبيين وأمريكيين، قرروا فتح قنوات الدعم المالي والعسكري للمعارضة..فيما حلفاء النظام من روس وإيرانيين ولبنانيين، قرروا رفع منسوب دعمهم وتدخلهم في الصراع إلى جانب النظام، بدلالة صفقات السلاح الروسي، والدعم الإيراني غير المشروط، وتورط حزب الله أكثر فأكثر في المجريات الميدانية للأزمة.
قلنا من قبل، ونعيد التأكيد اليوم، بأن أشد جولات القتال ضراوة، تلك التي تسبق المخاض السياسي للأزمة وترافقه، وأن التصعيد قد يصل إلى مرحلة يصبح فيها “المنتصرُ” مهزوماً..فلا “المقاومة” و”الممانعة” تستحق أن نضحي بسوريا من أجلهما، ولا “الإصلاح السياسي” و”التحوّل” الديمقراطي، يستحقان بدورهما تدمير البلاد وتشريد العباد..حفظ سوريا أولاً، هو المقدمة والشرط الضروري للمقاومة والممانعة والإصلاح الديمقراطي، ومن دونها، يصبح كل حديث آخر، مجرد لغو وثرثرة، في أحسن القراءات، و”مؤامرة صريحة” وفقاً لأكثر سيناريوهاتها سوءاً.