عريب الرنتاوي
يُملي الاعتراف الأممي بفلسطين، دولة غير عضو في الأمم المتحدة، على الفلسطينيين إعادة التفكير في أمر الاستحقاق الانتخابي "المركب" المقبل ... فالانتخابات الرئاسية يجب أن تأخذ مضموناً جديداً، ينسجم مع منطوق القرار الأممي، لتصبح انتخابات لـ "رئاسة دولة فلسطين"، بدلاً عن "رئاسة السلطة الفلسطينية" ... والمجلس التشريعي هو برلمان الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال ... وشيئاً فشيئاً يتعين دفع مكانة السلطة إلى الخلف، لصالح الدولة، سيما في ضوء انسداد أفق التفاوض مع إسرائيل، وتراجع خيار "حل الدولتين".
يبقى السؤال، عمّا إذا كانت إسرائيل ستسمح بذلك أم لا؟ ... لو ترك الأمر لإسرائيل، لما سمحت للفلسطينيين بشرب الماء واستنشاق الهواء ... العالم بغالبيته الساحقة، اعترف بالدولة الفلسطينية، ولم تخرج عن هذه القاعدة سوى دولة الاحتلال وحليفتها الاستراتيجية، وقلة قليلة من الدول التابعة والجزر المغمورة ... إذن، هي معركة، يتعين على الفلسطينيين خوضها بكل اقتدار وإصرار.
ويجب أن يكون واضحاً، اليوم، وليس غداً، أن ولاية هذه الدولة الديموغرافية، لا تقتصر على سكان الضفة والقطاع المحتلين والمحاصرين ... ولايتها الديموغرافية تمتد بامتداد الشتات واللجوء الفلسطينيين، وكل من يرغب من الفلسطينيين في حمل جنسية هذه الدولة وجواز سفرها، يجب أن يُمَكن من ذلك، حتى وإن كانت "الولاية الجغرافية" للدولة محصورة في حدود الرابع من حزيران عام 1967، فوحدة الشعب الفلسطيني في المحتل من وطنه وفي دنيا اللجوء والشتات، ثابت من ثوابت العمل الوطني الفلسطيني، لا يجوز التفريط بها بحال من الأحوال، حتى وإن اقتضت الضرورة، اعتماد "تكتيكات" تراعي بعض "الحساسيات" في عدد من الدول العربية أو الأجنبية.
هناك ملايين الفلسطينيين في خارج فلسطين، ما زالوا "بلا جنسية"، أو "بدون" ... لديهم وثائق سفر خاصة تصدر عن الدول المضيفة ... منهم مليون فلسطيني في سوريا ولبنان، وأكثر منهم (مليون وربع المليون) فلسطيني في الأردن من غير حملة الجنسية والأرقام الوطنية الأردنية ... وهناك مئات ألوف "الغزيين" في شتى أصقاع الأرض، ممن لم تتح لهم فرصة الحصول على جوازات السلطة الفلسطينية، فضلاً عن مئات ألوف الفلسطينيين الذين يحملون جوازات وجنسيات دول، لا تحظر ازدواج الجنسية، هؤلاء جميعاً، يجب أن يكونوا هدفاً مباشراً وفورياً، للدولة الفلسطينية العتيدة.
ويتعين على المنظمة والدولة، أن تشرعا من دون إبطاء، في إطلاق حملة لتكريس الاعتراف بالجنسية وجواز السفر الفلسطيني وتوسيعه، بالتوازي مع استكمال عضوية فلسطين في مختلف المحافل والمنظمات والمعاهدات الدولية ... هذا خيار استراتيجي، لا يجب أن يخضع لشروط المفاوضات ومساوماتها، ولا يجب أن يظل معلقاً على شرط استئنافها أو استمرارها ... ومثلما تنخرط إسرائيل في مفاوضات عبثية من دون توقف عن أعمالها الاستيطانية أحادية الجانب، على الفلسطينيين، أن يواصلوا استكمال عضوية دولتهم، وأن يجعلوا من حرية حركتهم على هذا الصعيد، شرطاً إضافياً، لاستئناف أية مفاوضات في المرحلة المقبلة، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين ووقف الاستيطان، وغيرهما من الشروط المتصلة بإجبار إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها واستحقاقات عملية السلام والتفاوض.
مثل هذا التوجه، ينسجم مع الحاجة لإعادة توزين وتعريف مكانة السلطة في المنظمة الوطنية الفلسطينية، لقد انتفخت السلطة بأكثر مما ينبغي وكادت أن تأكل "أمها": منظمة التحرير الفلسطينية ... هناك حاجة ماسّة الآن، لإعادة الأمور إلى نصابها، والتركيز على استكمال بناء الدولة تحت الاحتلال، وبناء مؤسساتها "المقاومة" ما أمكن لذلك سبيلا، من دون أي تخلٍ عن منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، يمكن النظر للسلطة بوصفها واحدة من مؤسسات الدولة الفلسطينية الخدمية تحت الاحتلال ... تتحدد وظائفها في ضوء المصلحة الوطنية العليا لكفاح الشعب الفلسطيني في سبيل حريته واستقلاله ... وهي باقية طالما بقيت المصلحة، وإن انتفت، فلا فرق بين حل السلطة أو تسليم مفاتيحها للاحتلال، أو قيام إسرائيل بتجريفها كما تفعل ببيوت الفلسطينيين وأشجارهم.