عن روسيا وإسرائيل وسمير القنطار

عن روسيا وإسرائيل وسمير القنطار

عن روسيا وإسرائيل وسمير القنطار

 لبنان اليوم -

عن روسيا وإسرائيل وسمير القنطار

عريب الرنتاوي

أثارت حادثة اغتيال الأسير المحرر سمير القنطار، جدلاً لم ينقطع حتى الآن، وتحديداً حول الدور الروسي في سوريا، وما إذا كان لموسكو «ضلع « في هذه الجريمة؟ ... وهل تواطأت روسيا مع إسرائيل على خلفية ما يُزعم أنه «مصلحة مشتركة» في تقليص الدور الإيراني في سوريا؟ ... هل أغمضت الردارات الروسية أعينها عن الطائرات الإسرائيلية، على قاعدة أن موسكو لا تريد فتح جبهة اشتباك سياسي ودبلوماسي مع الدولة العبرية، في الوقت الذي لم تضع جبهتها المفتوحة مع أنقرة، أوزارها بعد؟ ... كيف قرأت الأطراف هذه المسألة؟ ... وكيف يمكن فهم الموقف الروسي في سوريا عموماً، وبالتحديد ما خص منه الموقف من إسرائيل وحساباتها و»مصالحها» في سوريا؟

بعيداً عن مشاعر «الصدمة» التي اجتاحت أصدقاء وحلفاء النظام السوري، وتحديداً الصحف ووسائل الإعلام المحسوبة على هذا المحور، والتي أسبغت على الدور الروسي في سوريا ما لا يحتمله من وظائف وأدوار ودلالات وانحيازات ... وبعيداً عن مظاهر «الشماتة» التي رافقت العملية الإسرائيلية على جرمانا، والتي «كشفت المستور» في مواقف بعض القوى والتيارات السياسية الإسلامية العربية ... بعيداً عن هذه وتلك، يمكن التوقف أمام بعض محددات الموقف والدور الروسيين في سوريا، من هذا الزاوية بالذات:

أولى هذه المحددات، والتي سبق أن أشرنا إليها قبل التدخل الروسي في سوريا وبعده، أن موسكو لم تحسب نفسها يوماً على ما يُعرف بـ «محور المقاومة والممانعة»، ولم يتلفظ أي من مسؤوليها ووسائل إعلامها بهذا التعبير، وحدها مكونات هذا المحور، سعت في إكساب الموقف الروسي ما لا يحتمله ... حتى أن موسكو حرصت في غير مناسبة، على نفي صفة «التحالف الاستراتيجي» على علاقاتها بإيران وسوريا وأصدقائهما، مثلما حرصت أتم الحرص، على إقامة علاقات «متوازنة» مع خصوم النظام بمن في ذلك دول الخليج المعروفة بعدائها لإيران وسوريا على حد سواء.

ثانية هذه المحددات، وتتعلق بالموقف الروسي من إسرائيل، فموسكو كما أوضحنا من قبل، ليست في خندق العداء لإسرائيل، صحيح أن لها مواقف مؤيدة للشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل الحرية والاستقلال، لكنها لم تصل، حتى في زمن الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي القديم، إلى مستوى العداء لإسرائيل، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد كانت موسكو من أوائل العواصم الدولية التي اعترفت بها... وعشية وأثناء وبعد تفسخ الاتحاد السوفياتي القديم، هاجرت مئات ألوف العائلات اليهودية من روسيا وجمهوريات الاتحاد المنحل لإسرائيل، لتشكل واحدة من أكبر مكونات هذا المجتمع، التي لا زالت تحتفظ بروابط مع وطنها الأم، ولا زالت موسكو تنظر لأكثر من مليون إسرائيلي من أصول روسية / سوفيتية، بوصفهم «مواطنين مع وقف التنفيذ».
ثالثة هذه المحددات: إن إسرائيل كانت من أوائل الدول، إن لم تكن الدولة الأولى التي حرصت روسيا على «التنسيق الأمني» معها، مع بدء عملياتها الحربية في سماء سوريا ... تدرك موسكو أن الاشتباك مع إسرائيل، ليس أمراً يمكن احتماله في هذه المرحلة، خصوصاً لجهة الانعكاسات المترتبة على علاقاتها مع الغرب عموماً والولايات المتحدة على نحو خاص، ولهذا جاءت تفاهمات بوتين – نتنياهو، التي لم نعرف الكثير عنها حتى الآن، لكن تجربة أربع ضربات جوية إسرائيلية ضد أهداف لسوريا وحزب الله في سوريا منذ التدخل الروسي في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر، كفيلة بإلقاء أضواء كاشفة على هذه التفاهمات، التي أبقت لإسرائيل يداً طليقة في سوريا، أو في معظم مناطقها، وبما يخص حربها مع حزب الله، مقابل، أن تصرف تل أبيب النظر عن التدخل الروسي، أو أن تبادر إلى دعمه وتأييده سياسياً ودبلوماسياً.

في ضوء هذه المحددات وأخرى غيرها، يمكن فهم ما حصل في جرمانا ... ويمكن إدراك لماذا لم تتأزم العلاقات الروسية – الإسرائيلية  بنتيجتها، حيث كانت مكالمة هاتفية واحدة بين بوتين ونتنياهو أعقبت العملية، كفيلة باحتواء أي سوء فهم محتمل، واحتواء أية نتائج كان يمكن ان تترتب على الغارة الإسرائيلية في إحدى ضواحي دمشق.

إسرائيل اختارت ما تعتقده هدفاً يستحق المجازفة واللعب على «الوتر المشدود» في الأزمة السورية ... ذلك أن سمير قنطار بما يمثل ومن يمثل، استحق من المنظور السياسي والأمني الإسرائيلي مثل هذه المجازفة ... فهي تريد أولاً ضرب «الرمز» الذي يمثل، كعميد للأسرى العرب، المحرر رغم أنفها من سجونها بعد ثلاثة عقود من الاحتجاز ... والقنطار بصفته الدرزية، يشكل تحدياً كبيراً للعلاقة الخاصة التي تسعى إسرائيل في نسجها مع دروز فلسطين والجولان المحتل والمنطقة عموماً، فهو صاحب مشروع نقل الدروز من موقع «الحياد» الذي تحاول إسرائيل وضعهم فيه، إلى موقع «المقاومة»للاحتلال... وإسرائيل من قبل ومن بعد، تتبع استراتيجية «العقاب المؤجل» مع كل من قام بقتل إسرائيليين، حتى وإن أفلت من قبضتها بصفقة أو تسوية معينة، فكيف إذا كان «الهدف» متورطاً بمشروع إطلاق «مقاومة وطنية سورية» في الجولان المحتل.

روسيا في المقابل، ليست معنية بكل هذه التفاصيل، فهي منشغلة في حرب على الإرهاب الذي يتهدد أمنها الوطني، ودعم حليفها السوري حتى الرمق الأخير ... لكنها في المقابل، ليست من أنصار «مقاومة وطنية سورية ضد الاحتلال»، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات، وهي تدعم حلولاً سياسية وتفاوضية لأزمات المنطقة عموماً ... وروسيا، تسعى في إسباغ «الشرعية والقانون الدولي» على جميع خطواتها في سوريا، بهذا المعنى، لا يمكن لموسكو أن تكون في وضع «الحامي» لأية ميليشيات قديمة أو ناشئة، تحت أي مسمى اتخذت، وفي هذا السياق ثمة معلومات عديدة متوفرة عن تباين روسي إيراني حول دور بعض المليشيات الشيعية في سوريا، بل وحول دور «الحرس الثوري» الإيراني فيها، وفي هذا السياق أيضاً يجري تداول معلومات عن طلب روسي لحصر نشاط حزب الله في منطقة القلمون فقط، بوصفها خاصرته الضعيفة، ومصدر التهديد لأمنه وأمن بيئته الحاضنة في البقاع والهرمل.

إن صح هذا التحليل، والأرجح أنه صحيح، يصبح فهم الموقف الروسي أكثر سهولة ويسراً، ودونما حاجة لـ «نظرية المؤامرة» من جهة ولا لـ «صيحات الشماتة» من جهة ثانية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن روسيا وإسرائيل وسمير القنطار عن روسيا وإسرائيل وسمير القنطار



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon