عريب الرنتاوي
منذ الزيارة التي قام بها الرجل الثالث في المملكة العربية السعودية للأردن، وحبل التكهنات حول مشاركة أردنية أوسع في الحرب الدائرة في اليمن وعليه، لم ينقطع... دعوة الرئيس عبد ربه منصور هادي الأردن لمساعدة فريقه عسكرياً، إن بإرسال قوات برية أو بتدريب عناصره، نُظِر إليها بوصفها دعوة سعودية رسمية وعلنية غير مباشرة، فقد جرت العادة منذ “عاصفة الحزم” أن تُنسب مطالب التحالف ومواقفه الرئيسة، إلى الرئيس هادي، سيما تلك التي تحتاج إلى “تغطية” من نوعٍ ما.
واقع الحال، أن الأردن عضو في تحالف “عاصفة الحزم”، بيد أنه عضو غير فعّال ونشيط، مشاركته في الغالب لا تتخطى الدعم السياسي والمعنوي، بل أكثر من ذلك، فإن الأردن كما تقول القراءات في سطور الخطاب الرسمي وما بينها، لم يكن شديد الحماسة لفتح جبهة قتال جديدة، تصرف الأنظار والجهود عن جبهة محاربة “داعش” والإرهاب، في ضوء قراءة أردنية تعطي الأولوية للحرب على الإرهاب على ما عداها من أولويات، بخلاف السعودية التي أعطت وتعطي الأولوية لوقف ومجابهة التمدد الإيراني.
بهذا المعنى، لا يختلف الموقف الأردني عن الموقف في النظر للتهديدين معاً: الإرهاب والتمدد الإيراني، القاهرة بدورها تعطي الأولوية لمحاربة الإرهاب، ومشاركتها في تحالف “عاصفة الحزم”، ظل رمزياً ودون حجم مصر وجيشها، وإن كان أكثر حضوراً من المشاركة الأردنية، تحديداً لجهة إحكام الحصار البحري المضروب على اليمن.
لكن السعودية قررت على ما يبدو، تكثيف تحركها على محوري عمان والقاهرة، وتحت شعار “الحوار الاستراتيجي” أو بناء “علاقات استراتيجية”، تؤمن لكل طرف من أطراف هذه العلاقات، ما يعتقد أنه “مصالح عليا” يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار ... ولقد تولى رجل المملكة القوي الأمير محمد بن سلمان، هذه المهمة على عاتقه ... أنجز زيارة “التحالف الاستراتيجية” إلى القاهرة، وطوى صفحة من الفتور كادت تصل إلى حد التراشق الإعلامي بين الجانبين، وجاء إلى عمان في زيارة مماثلة، نجحت بدورها في طي صفحة “العتب الأردني” والتردد السعودي الذي طال واستطال في تعزيز أواصر العلاقات الثنائية بين المملكتين.
في الحالتين الأردنية والمصرية، يتطلع البلدان اللذان يخضعان لضائقة اقتصادية خانقة، إلى المزيد من المساعدات الاقتصادية والمالية من السعودية، على شكل دعم للموازنة أو تمويل للمشاريع أو استثمار مباشر أو توسيع حصة العمالة والمنتوجات في السوق السعودية العملاقة ... في المقابل، تتطلع المملكة لدور أوسع يقوم به البلدان في المجال الأمني والدفاعي، عبر بوابة “جنوب اليمن” التي تحقق فيها قوات المملكة تقدماً ملحوظاً، ويبدو أنها تخطط لوجود بعيد المدى نسبياً، أقله حتى تستقر الحال وتنجز التسوية ويعاد بناء مؤسسات الدولة، لقطع الطريق أمام حرب استنزاف محتملة، أو أمام انتكاسات قد تكون مرجحة، ما أن تغادر قوات التحالف أرض اليمن.
الأردن، كما مصر، ظلّا مترددين في خوض غمار حرب برية في اليمن، فالذاكرة من جهة والمعرفة بتعقيدات الجغرافيا والطبوغرافيا والديموغرافيا اليمنية، كانتا تمنعان الدولتين من ركوب موجة المجازفة، وكذا الحال بالنسبة للسعودية والإمارات، الدولتان الأكثر حماسة لخوض غمار الحرب في اليمن والانتصار فيها ... لكن تطورات الوضع الميداني بعد معركة عدن، فتحت الشهية من جديد، لأشكال أوسع من التدخل البري، ولا نستبعد أو يستبعد بعض المراقبين، أن تكون تطورات الميدان اليمني في الأيام الأخيرة، تعبيراً عن، أو توطئة لتوافقات إقليمية ودولية، ترتسم حدودها عن حدود انتشار قوات المراقبة العربية والدولية التي يجري الحديث عنها للفصل بين المتحاربين وتثبيت التهدئة ووقف إطلاق النار، كمدخل للحل السياسي المنتظر للأزمة اليمنية.
لا شك أن السعودية طلبت، والرئيس اليمني خاطب الأردن بضرورة رفع منسوب المشاركة الأردنية، هكذا تتحدث المصادر الإعلامية، ولا شك أن الأردن بات أكثر استعداداً للاستجابة لهذا الطلب وتلك المخاطبة هكذا تضيف المصادر ذاتها... ولا أستبعد أن نرى حضوراً ميدانياً أردنيا في عدن أو غيرها من مدن الجنوب، سيما وأن أمراً كهذا قد يحدث في ربع الساعة الأخير، وعشية الدخول في مفاوضات جادة تجري الاستعدادات لها على قدم وساق لحل الأزمة.
بيد أن أي قرار بنشر وحدات برية على الأرض اليمنية، وفي أي ظرف، سيظل منطوياً على مجازفة مركبة: فالأوضاع في اليمن، مثل الرمال المتحركة، لا أحد يعرف متى تنقلب معادلات القوى وموازينها ... والمشاركة من مدخل دعم الرئيس هادي وتدريب قواته، سيضع الأردن في مواجهة فريق من اليمنيين، ارتبط بهم وارتبطوا به، بعلاقات تاريخية كذلك، وسيجعل الأردن طرفاً في هذا الصراع، بعد أن كان وسيطاً مقبولاً من الجميع قبل أزيد من عشرين عاماً.
ندرك الرغبة والحاجة الأردنية لتطوير علاقات استراتيجية مع السعودية ودول الخليج، مثلما ندرك المخاطر التي قد تترتب على خطوة من هذا النوع في حال الإقدام عليها ... لكننا نأمل ونراهن على أن “التريث” و”التروي” سيميزان صناعة القرار الصعب الذي يتوقعه وينتظره كثيرون، بعضهم بمزيد من الارتياح، والبعض الآخر بكثير من القلق.
في السياسة والعلاقات الدولية، يقال إن العداء للولايات المتحدة مكلف للغاية، وصداقتها كذلك ليست أقل كلفة ... يبدو أن هذه المقولة لم تعد تنطبق على الولايات المتحدة وحدها... يبدو أنها ستقال في وصف العلاقات مع مراكز وعواصم إقليمية كذلك.