واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا

واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا

واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا

 لبنان اليوم -

واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

ظاهرياً، تبدو السياسة الأمريكية في سوريا، وامتداداً إلى العراق، في غاية الارتباك والتردد، وثمة من يتحدث عن غياب “رؤية أمريكية استراتيجية” للتعامل مع أزمتي البلدين، وهناك من يصل باستنتاجاته، حد القول بأن واشنطن لم تعد تتردد عن قول أو حتى فعل الشيء ونقيضه من دون فاصل زمني، إصدار المواقف ثم التراجع عنها، الانخراط في مسارات وتحالفات متناقضة، السير في الطريق وعكسه، في آن واحد.

لا شك أن واشنطن كانت شريكاً فاعلاً، وراعياً نشطاً لمقررات مؤتمر فيينا حول سوريا، ولا شك أنها عملت (ضغطت) مع بعض حلفائها العرب والإقليميين للتساوق مع هذه المقررات، حتى لا نقول قبولها وتبنيها ... فهل كانت الولايات المتحدة، في غفلة من أمرها، عندما تركت للمملكة العربية السعودية، مهمة جمع المعارضة وتوحيد كلمتها؟ ... هل كانت تظن بان الرياض ستبدي حماسة ظاهرة لإدماج مقررات فيينا في البيان الختامي لمؤتمر المعارضات السورية؟ ... هل تفاجأت واشنطن بما وصفه جون كيري “نقطتين أساسيتين” موضع خلاف، في بيان الرياض؟.

واشنطن التي حضرت بقوة في مؤتمر فيينا، كانت حاضرة، وبقوة أيضاً في مؤتمر الرياض، هي تعرف الحدود والسقوف التي ستتحرك في إطارها الدبلوماسية السعودية، وهي تعرف من دون شك، تفاصيل كافية عن مواقف واتجاهات وتوجهات القوى والفصائل السورية، السياسية والعسكرية، التي اجتمعت في العاصمة السعودية ... ولا أحسب أن في الأمر إرباكاً أو ارتباكاً، في ظني أنه ما نشهده من مواقف وسياسات أمريكية، هو عين ما تريده واشنطن، وهو جوهر سياساتها واستراتيجيتها في سوريا وحيالها، كما سنرى في سياق هذه المقالة.

في فيينا، انتهى المجتمعون إلى تشكيل “مجموعة اتصال دولية”خاصة بسوريا، وهو مطلب لطالما ألح عليه، الموفد الأممي ستيفان ديمستورا، وحصل عليه أخيراً .... فلماذا تقدم الولايات المتحدة على إعادة بعث وإحياء جماعة “أصدقاء سوريا” التي ستلتئم اليوم في باريس ... لماذا تحرص واشنطن على الإبقاء على هذه “الطبقات المتراكبة” من التحالفات ودوائر التنسيق وأطر العمل الخاصة بالأزمة السورية، هل هو “الارتباك” كما يقال، أم أنها مقتضيات السياسة والاستراتيجية الأمريكية في سوريا وحيالها من جديد؟

أحسب أن السياسة الأمريكية في سوريا وامتداداً حتى العراق، تقوم على مبدأ “الاحتواء المزدوج”، احتواء داعش والإرهاب من جهة، واحتواء موسكو وطهران وحلفائهما من جهة ثانية، ونشدد على “الاحتواء” في كلتا الحالتين... وهذه السياسة بحكم طبيعتها وأهدافها، تملي على أصحابها اتّباع نهج “إدارة الأزمة والتحكم بها” بديلاً عن منهجية “حل الأزمة وإنهائها” .... أمر كهذا يتطلب اللعب بمختلف الأوراق، والسير على عدة حبال والرقص على حواف المحاور والمعسكرات القائمة في المنطقة.

فلا بأس من وجهة النظر الأمريكية (على سبيل المثال)، أن تدخل روسيا على خط المجابهة العسكرية ضد داعش والإرهاب، هذه المهمة مطلوبة ومرغوبة، طالما أنها تعفي الولايات المتحدة من أعباء التورط المباشر وأكلافه، هنا تصبح مقررات فيينا متطلباً إلزامياً ومظلة لا بد منها لجمع روسيا والولايات المتحدة في سياق واحد: الحرب على داعش ... هنا وهنا فقط، تصبح “مجموعة الاتصال الدولية” الخاصة بسوريا، إطاراً مناسباً للتحرك الأمريكي، وساحة أوسع من ساحات تنسيق الحرب على الإرهاب.

لكن في المقابل، لن تسمح واشنطن لروسيا، بأن تجعل من سوريا بوابة لإعادة تجديد دورها كقوة عالمية كبرى، وهي التي ظلت في عداد الدول الإقليمية الكبرى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ... هنا يتعين رسم سقوف وحدود للدور الروسي ... هنا تصبح مقررات الرياض مهمة لعزل روسيا ومحاصرتها وإبقائها تحت الضغط والتهديد ... هنا وهنا أساساً، تشتد الحاجة لبعث وإحياء “جماعة أصدقاء سوريا”، حيث بالإمكان بحث وتنسيق المواقف الكفيلة بإبقاء “الدب الروسي في القفص” حتى لا يتنقل طليقاً بين عواصم الإقليم وفي مياهه الدافئة.... وما ينطبق على روسيا، ينطبق بالدرجة ذاتها على إيران من وجهة النظر الأمريكية.

وإذا ما صح هذا “التحليل” لسياسة “الاحتواء المزدوج” التي تتبعها واشنطن في سوريا وحيالها، فإن تفسير “ازدواجية المواقف والمعايير” الأمريكية حيال العديد من القضايا المحيطة بالأزمة والمتأسسة عليها، يصبح أمراً أكثر يسراً وقابلية للفهم والهضم، من نوع: دعم أنقرة في صراعها مع موسكو حتى عند إسقاط الطائرة في “الكمين المحكم” الذي أعد لها (استجابة لهدف احتواء موسكو) مقابل ممارسة ضغوط على حكومة أردوغان لضبط الحدود ووقف تسرب مقاتلي داعش ونفطه من تركيا وإليها (بهدف احتواء الإرهاب) ... ومن نوع داعم شعار “مؤتمر فيينا” الداعي لبناء “سوريا موحدة وديمقراطية وعلمانية وتعددية”، إرضاء للروس وإقصاء للجماعات الجهادية من جهة ... والصمت المتواطئ على مؤتمر الرياض، الذي شهد مشاركة “وازنة” لجماعات سلفية جهادية، معادية للتعدد والتنوع، دع عنك العلمانية والديمقراطية، وتربطها بجبهة النصرة، رفقة سلاح أواصر دم وخنادق مشتركة، ودائماً لاستنزاف روسيا وإيران، واحتواء أدوارهما.

ليست واشنطن بلا استراتيجية في سوريا وحيالها... فلا يعقل للدولة الأعظم أن تظل بلا استراتيجية حيال أزمة امتدت لخمس سنوات، وحتى بفرض أنها افتقدت لمثل هذه الاستراتيجية، لبعض الوقت، كما اعتراف بذلك سيد البيت الأبيض نفسه، فليس من المنطقي الاعتقاد بان هذا الحال ما زال مستمراً بعد كل هذه السنوات... لواشنطن استراتيجيتها في سوريا وحيالها، لكن استراتيجية قائمة على “مبدأ الاحتواء المزدوج”، وهي بحكم طبيعتها،تستوجب”التباطؤ” في حل الأزمة، لإدامة النزيف المتبادل بين الأفرقاء/الخصوم، كما تحتمل “التواطؤ” مع جماعات لا يميزها عن داعش والنصرة سوى الاسم و”اللوغو”... استراتيجية لا تمانع في “الاستفادة” من إيران وروسيا في الحرب على الإرهاب، ولا تتردد في توظيف مختلف الفصائل المسلحة، حتى الجهادية منها، والتحالف مع رعاتهم وداعميهم العرب والأتراك، لاستنزاف طهران وموسكو من دون الاضطرار للدخول في مواجهة مباشرة معهما.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا واشنطن و«سياسة الاحتواء المـــزدوج» فــي ســوريـــا



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon