حربُ لبنان من حربِ سورية

حربُ لبنان من حربِ سورية

حربُ لبنان من حربِ سورية

 لبنان اليوم -

حربُ لبنان من حربِ سورية

بقلم : سجعان القزي

لا الحربُ في سوريا انتهَت ولا موازينُ القوى نهائية. ما هكذا تكتمِل الحروب. والطريفُ أنَّ القِوى الرديفةَ المقاتِلةَ أعلنت انتصارَها ولمّا تنتهِ الحربُ السوريةُ بعد، فيما تحفّظ اللاعبان الأساسيّان: الروسُ والأميركيون. كأنَّ اللاعبين الإقليميّين، الأساسيّين والثانويّين، يحاولون استباقَ قرارِ الدولتين الكبرَيين والاستئثارَ بالنصرِ المرحليّ لتعزيزِ دورِهم في سوريا وتوظيفِه في بيئتِهم النازفة. لكنَّ واقعَ الأمورِ مختلِفٌ، وهو الآتي:

الثابتُ الأساسيُّ الأوّل هو تفاهمُ الولاياتِ المتّحدة الأميركيّة وروسيا على إدارةِ النزاع بالحدِّ الأدنى من المواجهةِ بينهما، وبالحدِّ الأقصى من المواجهةِ بين القِوى المحليّةِ والإقليميّة الناشطةِ في سوريا وحولَها. 

والثابتُ الأساسيُّ الثاني هو الإقرارُ بأنَّ الحربَ لن تنتهيَ بسقوطِ بشّار الأسد، وأنَّ السلمَ لن يبدأَ ببقائِه طويلاً، فالحلُّ ليس مرتبِطاً بمَن يسيطرُ على الأرضِ في سوريا فقط، بل بمَن يسيطر على الشعبِ السوريّ، وقد أصبحَ شعوباً ومذاهبَ وإتنيّات. 

والثابتُ الأساسيُّ الثالثُ هو اعتمادُ الصيغةِ الفيدراليّةِ بعد النظامِ المركزيّ الجامِد الذي ساد قبلَ الحرب وبعدَ الواقعِ التقسيميِّ الشاملِ الذي نما أثناءها. 

والثابتُ الأساسيُّ الرابعُ هو الأخذُ بالاعتبارِ أمنَ دولةِ إسرائيل في المناطقِ المحاذيةِ لحدودِها مع سوريا ولبنان.

إذن، المشهدُ الحاليُّ سيتغيّر تدريجاً بالسلمِ حيث يسود العقلُ، وبالقوّةِ حيث تَطغى الغطرسة. الحاضرون يشاركون في التسويةِ، والغائبون يُدهَسون. الواقعيّون يعودون إلى أحجامِهم والمعانِدون يَخسَرون ما حقّقوه. نحن في مرحلةِ ما قبلَ التسوياتِ التاريخيّةِ الجديدة، والانتصاراتُ المؤقّتةُ تَمحوها التسوياتُ النهائية.

واقعُ سوريا متحرِّكٌ بوتيرةٍ متسارِعةٍ نظراً لتعدّدِ الأطرافِ القادرةِ على التدخّلِ العسكريِّ والراغبةِ بدخولِ الساحةِ في مراحلَ محدَّدةٍ من مسارِ الأحداث. مِن هذه الأطرافِ مَن تدخَّلَ لإشعالِ الحرب، ومنها من تدخَّل لاستمرارِها، ومنها من تدخَّل لتصويبِ مسارِها، ومنها من تدخَّل لتعديلِ موازينِ القوى، ومنها من يتدخّل مُجدَّداً لحِفظِ "حقوقِه" تحت سِتارةِ مراقبةِ السلام. لكن، حتى الآن لم يتدخّل أيُّ طرفٍ إقليميٍّ أو دوليٍّ لأنهائِها جِدّياً. بدأت الحربُ لتغييرِ النظام، ثم لتغييرِ المعارضةِ، ثم لتغييرِ الاثنين معاً، ثم لتغييرِ الحدود، ثم للقضاءِ على الإرهاب، وآلانَ لجمعِ مَن بقي في تسويةٍ تلوحُ وتَختفي. لا يوجد أيُّ فريقٍ سوريٍّ منتصِر، بما فيه النظامُ الذي استعادَ الروح، لأن بقاءَه معلَّقٌ على قرارٍ روسيّ.

الجديدُ هو أنَّ المُتحوِّلاتِ المقبلةَ في المشهدِ السوريّ ستبلُغ لبنانَ بحكمِ دورِ حزبِ الله هناك وهنا من جهة، وتصميمِ إيران على الاحتفاظِ بلبنانَ جُزءًا من نفوذِها بغضِّ النظرِ عن مسارِ الحلِّ السوريّ من جِهةٍ أخرى. مجموعُ المعلوماتِ المُستقاةِ من مراكزِ القرارِ الدوليّ يُشير إلى ما يلي:

أولاً: مقابلَ التسليمِ بدورِها "الرياديّ" في سوريا، التزَمت روسيا تجاهَ واشنطن بتحجيمِ دَوري إيران وحزب الله في سوريا "في الوقت المناسب"، فروسيا التي سَحبت جُزءًا من قوّاتِها في أذار 2016 تَتّكِل حاليًّا على قوّاتِ إيران وحزبِ الله للانتشارِ البَرّي في المناطقِ السوريّة المستعادَة. 

ثانياً: هناك حدودٌ للمساكنةِ الروسيّةِ ــــ الإيرانيّة في سوريا، فبعد هدوءِ المدفَع يَصعُب أن تقبلَ روسيا بإنشاءِ مجلسِ وصايةٍ مشتركٍ مع إيران على سوريا. وأصلاً، لا يعرِف التاريخُ الحديث احتلالاً مشتركاً لدولةٍ ما لم تُقسَّم كما حصل مع النمسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. علاوةً على ذلك، ثغراتٌ عديدةٌ تشوب العلاقاتِ الروسيّةَ ــــ الإيرانيّة. فرغم التحالفِ الموضوعيِّ القائمِ بينهما، تختلف الدولتان على: مصيرُ سوريا، الهلالُ الشيعي، التمدّدُ الإيرانيّ في جُمهوريّات الاتّحاد السوفياتيّ السابق، وعلى العلاقاتِ مع دولِ الخليج وإسرائيل.
ثالثاً: بَرز في الآونةِ الأخيرة اتجاهٌ لدى إدارةِ الرئيس ترامب بتركيزِ الصراعِ مع إيران على دورِها مع حزبِ الله في سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان وليس على ملفِّها النووي كما كانت الحالُ حتى الآن. ذلك أن إعادةَ النظر بالاتفاقِ النوويّ تعارضُه الأممُ المتّحدةُ والوكالةُ الدوليّةُ للطاقة الذَريّة والدولُ الخمس التي وقّعته، في حين أنَّ التدخّلَ الإيرانيَّ عبرَ الحرسِ الثوريّ وحزبِ الله في دول الشرق الأوسط يُلاقي شبهَ إجماعٍ عربيٍّ ودولي.

الاستنتاجُ العمليُّ والمباشَر ممّا سَبق هو أنَّ المشهدَ السوريَّ مفتوحٌ على أحداثٍ تطالُ أدوارَ بعضِ القوى النافدةِ هناك وتحديداً إيران وحزب الله، كما أنَّ المشهدَ اللبنانيَّ عُرضةً، يوماً ما، لاعتداءٍ إسرائيليٍّ يَنقلنا من "فجرِ الجرود" إلى "بأسِ الجنوب". وإذا كان التغييرُ في سوريا واقِعاً بحكمِ القتالِ الدائرِ والوجودِ العسكريِّ الروسيّ والأميركيّ، فالحربُ الإسرائيليّةُ على لبنانَ ليست حتميّةً في حالِ أحسنَت الدولةُ التصرّفَ واحترمَ حزبُ الله القراراتِ الدوليّةَ. ومِعيارُ ذلك هو عودةُ حزبِ الله إلى الشرعيّةِ اللبنانيّة وليس العودة من سوريا، والعودتان مشكوكٌ فيهما.

ليست حربُ حزبِ الله ضِدَّ قوّاتِ داعش في سوريا ما سيُحدِّد مصيرَه، إنما صراعُه مع إسرائيل في لبنان. والخَشيةُ أن يدفعَ حزبُ الله في لبنان ضِدَّ إسرائيل ما ربِحه في سوريا ضِدَّ داعش؛ إذ كلّما قَوِيَ الحزبُ عسكريًّا في سوريا ضَعُف وضعُه السلميُّ في لبنان لأنَّ قوَّته المتناميةَ تُخيف إسرائيل. حتى الآن، كان حزبُ الله قوّةَ ردعٍ ضِدَّ إسرائيل، أما اليوم، فقوّتُه تَستجلبُ حرباً إسرائيليّةً عليه وعلى البلاد. فطالما كان حزبُ الله بسلاحِه حزباً لبنانيًّا كانت إسرائيل تعتبره أحدَ عناصرِ ضبطِ الأمنِ على حدودِها الشماليّة، أمّا وقد أصبح الحزبُ دولةً شرقَ أوسطيّة لا "دويلة لبنانية"، فصارت تَعتبره خطراً مباشَراً لا بدّ من معالجتِه وتَنظر إليه كدولةٍ عدوَّةٍ إضافيّةٍ على حدودِها. إنَّ آخِرَ ما يُمكن أن تَقبلَ به إسرائيل هو أن تكونَ حدودُها من غزّة إلى لبنان وسوريا محاصرَةً بإيران أصالةً أو نِيابة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حربُ لبنان من حربِ سورية حربُ لبنان من حربِ سورية



GMT 22:55 2022 السبت ,25 حزيران / يونيو

أنا المكلَّفُ وحكومتي المواعيدُ

GMT 16:04 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

الأكثريّةُ أرْخَبيلٌ والأقليّةُ جزيرة

GMT 10:26 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة

GMT 16:28 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بـكـركـي لـيست مَـمـرًّا اخـتـيـاريًّـــا

GMT 19:34 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

فَصلٌ من الحروبِ القيْسيّةِ اليمنيّة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon