فى الساعة الحادية عشرة والنصف ظهراً بتوقيت باريس، قام رجلان ملثمان باقتحام مبنى جريدة «شارلى إيبدو» الكائنة فى منطقة الدائرة رقم 11 فى وسط المناطق السكنية فى باريس.
قام الملثمان بقتل 11 رسّاماً وصحفياً من أعضاء المجلة، وهم يحضرون اجتماعهم الأسبوعى، وأصابوا 11 آخرين، أربعة منهم الآن فى حالة خطرة.
وهتف أحد القاتلين: «الآن أخذنا بثأر النبى (عليه الصلاة والسلام)».
وعند خروجهما من المبنى، قتلا شرطيين بدماء باردة، واستقلا سيارة «ستروين» قاما باختطافها، صبيحة ذلك النهار.
وقامت الدنيا ولم تقعد بسبب هذه الجريمة التى تجمع 3 عناصر متداخلة فى آنٍ واحد، وهى عنصر الاعتداء على حرية التعبير، وعنصر التطرّف الدينى الذى تخشاه أوروبا، وعنصر كون المشتبه بهما من ضمن عناصر المهاجرين المغاربة «من الجزائر»، الذين يمثلون أكثر من 5٫5 مليون مواطن متجنس أو مقيم فى فرنسا التى يبلغ تعدادها 65 مليوناً.
وتتعين التذكرة بأن مجلة «شارلى إيبدو»، وهى مجلة كاريكاتير سياسية ساخرة ولاذعة، ذات اتجاه يسارى علمانى، دأبت على السخرية من الدين والسياسة والجنس من منظور «تحطيم كل قيود التعبير».
وسبق لهذه المجلة أن نشرت رسوماً ساخرة حول المسلمين، وشخص سيد الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام، مما استفز بعض الجماعات المسلمة فى باريس، إلى حرق مبناها القديم كاملاً فى نوفمبر من عام 2011.
وكانت السلطات الفرنسية وبعض أجهزة الأمن قد حذّرت القائمين على المجلة بعدم تجاوز الخط الأحمر الحساس لدى المسلمين، وهو خط الإساءة إلى نبى الإسلام، لكن إدارة المجلة استمرت فى مواقفها، محتمية بمنطق عدم وجود حدود ولا قيود على حرية التعبير، وأيضاً كون الرئيس أولاند والحكومة الحالية ينتمون إلى ذات الفكر السياسى اليسارى الذى أُسس به الحزب الاشتراكى الفرنسى الحاكم.
أخطر ما فى هذا الحادث هو الإضرار أولاً بأوضاع المسلمين فى فرنسا، وإثارة حالة الخوف والتربُّص فى دول أوروبا تجاه الجاليات العربية والإسلامية المقيمة بها.
ويأتى هذا الحادث فى ظل عدة أحداث متطورة فى آنٍ واحد:
1- القلق الأوروبى المتزايد من حالات التحاق حاملى الجنسية الأوروبية بجيش «داعش وجبهة النصرة» فى العراق وسوريا.
2- الصعود القوى للأحزاب اليمينية الأوروبية ذات الموقف المعادى للغاية، لوجود مهاجرين ومقيمين عرب ومسلمين فى أوروبا، والبدء فى الدعوة إلى التطهير الأوروبى من تلك العناصر.
3- زيادة المشاعر العدائية ضد الإسلام كدين، وليس فقط ضد بعض المسلمين، وقد ظهر ذلك واضحاً فى حركات العداء للإسلام فى ألمانيا، مما دعا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى التدخّل شخصياً من أجل نزع فتيل هذه القنبلة العنصرية.
المستفيد الأول من هذه الأحداث هو الرئيس بشار الأسد، الذى سوف تتكون لديه الحجة بأنه كان محقاً فى قتال التطرّف الإسلامى.
المستفيد الثانى هو نتنياهو الذى طالما حذّر من الإسلام السياسى.
أما المستفيد الثالث فهو إيران التى تحاول دائماً أن تقنع العالم بأن الإرهاب يأتى -فقط- من الإسلام السنى وليس المسلمين «الشيعة»!
إنها أيام صعبة للغاية.