فى حوار لى مع الملك حسين، ملك الأردن الراحل، قال لى: «يجب أن يعرف الجميع أن الجغرافيا السياسية للأردن هى التى تُملى عليه التاريخ».
وحينما طلبت منه أن يشرح أكثر، قال: «انظر إلى حدودنا هناك إسرائيل نتنياهو، وعراق صدام، وسوريا بشار الأسد، وفلسطين المقسمة بين حماس والسلطة، والمملكة العربية السعودية ومصر».
وكلما حدث تطور سياسى أو خلل أمنى فى دول الجوار للأردن انعكس ذلك عليه.
الغزو الأمريكى للعراق أدى إلى نزوح جماعى كبير للأردن.
والحرب الأهلية فى سوريا أدت إلى تحمل الأردن أكبر قدر من اللاجئين.
وخلل الأمن فى مصر عقب ثورة 25 يناير 2011 أدى إلى تفجير أنبوب الغاز فى سيناء الذى يوفر الطاقة للأردن 27 مرة مما كبدها خسائر تقارب الـ 4 مليارات دولار حتى الآن.
وحينما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وجبهة النصرة وجماعة الإخوان فى مصر انتقل ذلك إلى داخل الأردن.
وكانت الأزمة الضاغطة التى استمرت 7 أسابيع هى أزمة وقوع الطيار الأردنى معاذ الكساسبة فى يد «داعش»، ثم جاءت عملية الإعدام حرقاً بأسلوب وحشى استفز العالم كله ووضع الحكم فى الأردن فى موقف ضرورة الثأر ورد الفعل.
ولمن لا يعرف فإن أسرة هذا الطيار تنتمى إلى عشيرة مهمة فى منطقة «الكرك» وهى منطقة العشائر التى كانت تقليدياً تدعم النظام الملكى فى الأردن منذ عهد الملك المؤسس عبدالله بن الشريف حسين.
ويأتى السؤال: كيف أدار الملك عبدالله الثانى الأزمة؟
قطع الملك عبدالله زيارته للولايات المتحدة، ثم اجتمع بقياداته العسكرية، وقام بتعزية والد الطيار.
وعند قيام الملك بتقديم واجب العزاء حلقت المقاتلات الأردنية فوق خيمة العزاء، ولحظتها قال الملك عبدالله لوالد الطيار الشهيد: «انظر هؤلاء هم زملاء ابنك الشهيد عادوا لتوهم من أول عملية ضد داعش بعدما ألحقوا بهم ضربات مدمرة ثأراً له».
وما زالت ضربات السلاح الجوى الأردنى مستمرة يومياً توجه عمليات عقابية لتنظيم الدولة.
احتوى الملك عبدالله الثانى الأزمة، وزادت شعبيته واستطاع أن يحول الأزمة إلى فرصة إيجابية لتأكيد تماسك مكونات الشعب الأردنى والتأكيد على تماسكه.
الدرس المستفاد من التجربة الأردنية هو كيفية المزج الذكى بين إدارة الأزمة والعمل السياسى والعمل العسكرى بشكل بارع.
لا يوجد نظام فى العالم لديه بوليصة تأمين ضد الأزمات أو غير قابل للاختراق الأمنى.
المهم هو القدرة على امتصاص الصدمة واحتواء الأزمة وتفعيل كل عناصر القوى وكل أدوات النظام من أجل تحويل الأزمة إلى مشروع نجاح.
الملك الأردنى ليس وحده، ولكن كعادة النظام الملكى الأردنى، فإن هناك ما يعرف بـ«الديوان الملكى» الذى يعتبر مؤسسة سياسية تضم نخبة العقول السياسية والعسكرية والأمنية ويلعب دوراً يتجاوز البروتوكول والمراسم.
فريق عمل الملك عبدالله أوصله للنجاح الأخير.