عماد الدين أديب
التاريخ الذى نعايشه قد يكون خادعاً، وما يبدو حقائق قد يكون أكاذيب، وما نراه بالعين المجردة ليس - بالضرورة - هو الحقيقة.
ويقول المفكر الكبير «أرنولد توينبى»: «ما يثبته التاريخ اليوم، قد يكذّبه التاريخ غداً».
وينصح المؤرخون دائماً بعدم التسرع فى إصدار الأحكام النهائية على الحكام، وعلى الأحداث، وعلى الحروب، وعلى الاتفاقات، لأن ما لا تعرفه من حقائق ومعلومات يكون - فى أغلب الأحيان - أضعاف أضعاف ما يُكشف عنه.
ومنذ فترة قصيرة صدر كتاب مهم بعنوان «سقوط السماء» يتحدث كاتبه عن حكم شاه إيران محمد رضا بهلوى، وكيف سقط نظامه وانتقل إلى حكم آية الله الخمينى الذى انتقل بإيران من الحكم الإمبراطورى الوراثى إلى حكم ولاية الفقيه.
وفى أحد فصول الكتاب التى نشرتها جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية يكشف الكاتب عن معلومات خطيرة حول اختفاء الإمام الغائب موسى الصدر.
وُلد موسى الصدر فى إيران، ووصل إلى درجات عليا من الحكم والفقه، وانتقل إلى لبنان وأمضى فيها 20 عاماً استطاع فيها أن يقود ما يعرف بثورة الفقراء والمظلومين من الشيعة اللبنانيين الذين كانوا حينئذ أقلية فقيرة تعانى من الحرمان المادى والتهميش السياسى.
ويكشف الكتاب - ولأول مرة - عن اتصالات سرية تمت بين شاه إيران وموسى الصدر قبل اندلاع حركة الخمينى فى إيران يطالبه فيها الشاه بضرورة العودة فى أسرع وقت إلى طهران للسيطرة على حركة الشارع حتى لا تنفلت الأمور وتنجح حركة الخمينى فى إزاحة الإمبراطور وإقامة ولاية الفقيه.
ويؤكد الكتاب أن الإمام الخمينى هو الذى تآمر على اختفاء موسى الصدر وأنه طلب من نظام مخابرات معمر القذافى التخلص منه، لذلك كانت آخر مرة يشاهَد فيها الصدر ومرافقوه فى مدينة طرابلس الليبية.
المذهل أن الجميع ظل لأكثر من ربع قرن يعتقد أن القذافى هو المسئول الأول عن التخطيط والتنفيذ لإخفاء الصدر، إلى حد أن جماعة من أنصار الصدر قامت بخطف ابن القذافى «هانيبعل» فى بيروت منذ أسبوعين وطالبت أنصاره فى ليبيا بالكشف عن مصير الصدر.
إذن لا توجد بالضرورة حقائق ثابتة ومؤكدة، وقاتل اليوم قد يكون الضحية فى الغد، والثورة قد تكون مؤامرة، والعكس صحيح، وأبطال اليوم قد يكونون خونة الغد والعكس صحيح.
التاريخ يحمل أوجهاً كثيرة، وأفضل طريقة للتعرف عليه هى الكشف عن كل التفاصيل والاطلاع على كل الشهادات ويبقى لك فى النهاية أن تُحكّم عقلك، وتستفتى قلبك.