إجابة سقراط: «الشعور بالظلم»، وإجابة «أفلاطون»: «الشعور بعدم الإنصاف»، وإجابة «نابليون»: «الشعور بالغضب»، وإجابة «هتلر»: «الشعور بعدم القدرة على التعبير»، وإجابة روزا لوكسمبرج: «للانتصار بعدما نقع فى سلسلة هزائم».
باختصار، يمكن القول: إذا رضى الناس عن حياتهم حافظوا عليها، وإذا شعروا بعدم الرضا إلى حد السخط خرجوا إلى الشوارع مطالبين برحيل من ظلمهم أو قصّر فى حقوقهم أو استبدّ بهم.
إنها معادلة بسيطة لا تحتاج لعبقرية:
«الرضا يعنى الاستقرار».
«والسخط يعنى الاحتجاج».
أهم عنصر فى هذه المعادلة أن يكون السخط مبرراً، وأن تكون الحركة ضد الظلم:
1- عن حق.
2- عن وعى.
3- عن كفاءة.
كثير من حركات الاحتجاج ضلت الطريق، أو تم اختطاف ثورتها النبيلة لمصالح قوى شريرة لا تبتغى إلا السلطة المطلقة.
تعالوا نتأمل حركة احتجاج الشارع فى الجزائر، السودان، العراق، لبنان، سوريا، هونج كونج، إيران، أوكرانيا، تونس، مصر.
فى كل مرة توجد دوافع حقيقية للغضب، مجموعة ثائرة نبيلة تهدف لرفع المظالم، شعور حقيقى بالغضب والظلم لا يقابله خبرة فى إدارة الغضب الشعبى، ينتهى الأمر إلى قيام قلة محترفة مدربة ذات نوايا شريرة إلى اختطاف الحراك الجماهيرى من أجل مشاريعهم الخاصة التى غالباً ما تكون مرتبطة بمشروع تخريبى إقليمى يتوافق مع مصالح القوى العظمى.
الغاضبون يريدون تغيير الحكومة.
الثوار يريدون تغيير النظام.
المخربون الذين يختطفون حركة الشارع يريدون إسقاط الدولة الوطنية، لذلك دائماً يتعين فهم مقولة جولدمان «إن الثورة هى فكرة تحولت لعمل».
لذلك من الخطأ الشديد عدم القيام بتحليل دقيق للتطور السلوكى لحركة الشارع بشكل زمنى متدرج، بمعنى تحليل أداء الثوار فى البدء، وفى الوسط، ثم فى الخاتمة.
حركة الشارع فى أى زمان ومكان ليست شيئاً واحداً، من قوى واحدة، من تيار واحد، بأداء واحد، باتجاه واحد، ينتظر أن تنتهى إلى نتيجة واحدة متفق عليها.
مثلاً، شباب 25 يناير 2011 ابتدأوا فى ظهيرة هذا اليوم بتظاهرة أمام مبنى القضاء العالى من أجل إعادة التحقيق فى شأن الشاب خالد سعيد، بعد 4 ساعات انتقلوا للتحرير، فى آخر الليل تعدوا الـ15 ألفاً، بعد 48 ساعة طالبوا بسقوط النظام، وبعدها بـ24 ساعة طالبوا برحيل الرئيس.
مثلاً شباب تونس خرجوا يحتجون على المظالم الاجتماعية بعد إحراق الشاب البوعزيزى لنفسه بعدما رفضوا تجديد رخصة عربة البيع وبعد إهانة شرطية له، تحول الموضوع من تظاهرة فى قرية إلى مدينة إلى العاصمة، حتى تمت المطالبة برحيل زين العابدين بن على.
هنا أيضاً لا بد من تذكر مقولة عزت بيجوفيتش الخالدة إن الذى لا يعرف التدين الصحيح لن يعرف أبداً الثورة.
فى لبنان قام وزير الاتصالات السابق محمد سعيد بتقديم مشروع بفرض عشرة دولارات كرسوم لاستخدام «الواتس آب» فخرج الشباب فى بيروت وطرابلس وصور ضد وزارة الاتصالات، وتحول الغضب ضد الحكومة كلها، ثم ضد النظام، ثم جاءت العبارة العبقرية: «كلهم يعنى كلهم»، أى ضرورة رحيل كل الطبقة السياسية القائمة على محاصصة الطوائف والأحزاب بهدف تقسيم مكاسب الفساد من المال العام فيما بينهم.
فى جنوب العراق، ثار الشباب لعدم قدرتهم على فهم كيف يمكن أن يكون ذلك البلد الذى يُعد من ضمن أكبر عشر دول فى احتياطيات النفط فى العالم، والوحيد فى المنطقة الذى يمتلك مثلث: الطاقة، الماء، القدرة البشرية، تصل فيه البطالة إلى 40٪ وتصبح تكاليف الحياة فيه مستحيلة بينما يتم «شفط» ثرواته من قبل إيران، ومن قبَل سلطة الفساد الحاكمة.
فى العراق، ثار الشيعة على الشيعة لأن الحرمان والشعور بالظلم لا يعرف التفرقة بين الطوائف!
من هنا علينا دائماً أن نفرق بين 3 أمور ونحن نتعامل مع أمور أغضبت الناس:
1- حق الناس المشروع فى الغضب إذا تعرضوا للظلم وعدم الإنصاف.
2- واجب نظام الحكم فى تفهُّم مطالب الناس وبذل الجهد فى رفع المظالم بدلاً من بذل الجهد فى قمع الناس.
3- أخطر نقطة فى هذا المجال أنه يتعين على «الشارع» و«الحكم» فى حال الثورة والاحتجاج والغضب معاً أن يدركا أنه مهما حدث ومهما كانت التفاصيل فإن الأمر الذى يجب عدم المساس به وفعل كل شىء وأى شىء من أجل الحفاظ عليه هو المحافظة على «الدولة الوطنية».
فى الداخل هناك من يريد إسقاط هياكل الدولة ليختطف السلطة لنفسه.
فى المنطقة هناك من يريد سقوط الدولة كى يعيد ترسيم الخريطة لتحويل الدول الوطنية إلى دويلات طائفية وعرقية ومذهبية.
فى العالم هناك من يريد إسقاط الدولة من أجل نهب البترول والغاز والمياه والممرات الاستراتيجية وتغيير الحدود المستقرة وعودة الاستعمار بشكل جديد.
هنا أقول لمن يحتار فى قراءة وفهم قصص بدايات ونهايات الثورات وحركات الاحتجاج العربية: اجعل بوصلتك فى فهم النتائج والحقائق من خلال سؤال واحد: هل حافظت هذه الحركة على الدولة الوطنية أم تسعى لإسقاطها تحت شعار من شعارات المظلومية والحرمان؟
تأمل ما حدث فى العشر سنوات الماضية وافهم ما حدث حتى الآن، وستعرف الفارق بين الثوار النبلاء، وما أكثرهم، وبين المخربين العملاء، وما أقلهم، لكنهم للأسف هم أكثر كفاءة ويحصلون على أكبر دعم من الخارج.