بقلم: عماد الدين أديب
يا حرام! أشفق بشدة على العقل الجمعى العربى الذى يشكل اتجاهات الرأى العام وما يعرف باسم النخبة!
نحن أمام كارثة عظيمة تؤدى إلى تسطح وتعميم الأحداث التى نعايشها وبالتالى نبدأ ببدايات خاطئة، وننتهى بالضرورة إلى نتائج خاطئة وكارثية!
هذا كله يأتى من عطب فى العقل والثقافة الوطنية العربية التى قامت على المفاضلة العجيبة، والاختيار الغبى ما بين ثنائية لا ثالث لها، أى بين نقيضين فى قمة التناقض، ولونين مختلفين لا يوجد بينهما أى درجة من درجات ألوان الطيف بمعنى إما أبيض أو أسود بلا إمكانية للرمادى.
تعالوا نستعرض هذه الثنائيات المخترعة التى أصبحت بحكم التوارث والعادة والثقافة المغلوطة، والتنشئة الخاطئة، والتعليم الفاشل تتحكم فى نمط تفكيرنا وأسلوب حكمنا على الأمور والأحداث والبشر، مثلاً: علينا أن نختار أو نحكم على غيرنا فيما بين:
1- الوطنية أو الخيانة.
2- المسلم أو المسيحى.
3- السنى أو الشيعى.
4- الغنى أو الفقير.
5- الحاكم أو المحكوم.
6- المالك أو المستأجر.
7- المدنى أو العسكرى.
8- الموالى أو المعارض.
9- سكان العاصمة أو الأقاليم.
10- المستبد أو المحرر.
11- الانقلاب أو الثورة.
12- العدو أو الصديق.
13- الحليف أو العميل.
14- الشهيد أو الخائن.
15- المجرم أو الضحية.
16- القاتل أو القتيل.
17- الأهلاوى أو الزملكاوى.
18- النصراوى أو الهلالى «فى السعودية».
19- شمال البلاد أو الجنوب.
20- الرجال أو الستات.
21- المتزوج أو الأعزب.
22- الآنسة أو المتزوجة.
23- المتزوجة أو المطلقة.
24- الشباب أو الشيوخ.
25- الدينى أو العلمانى.
26- المعتدل أو المتطرف.
27- اشتراكى أو رأسمالى.
28- جيش أو ميليشيات.
29- فساد أو طهر.
30- عقل أو جنون!!
باختصار، صدر الحكم على عقولنا بأن تحكم على كل شىء وأى شىء بأسلوب مثل الاختبار الدراسى الأمريكى الذى يتعين عليك فيه أن تختار إجابة واحدة على سؤال واحد، بمعنى إما هذا أو ذاك أو تلك.
العقل الذى يتعين عليه إلغاء فكرة الدرجات والأطياف وخلق احتمالات أو ابتداع حلول والتفكير خارج الصندوق هو عقل هالك لا محالة.
منطق أن نفكر بطريقة «إما كذا أو إما كذا» أى المفاضلة والخيار بين النقيضين هو أمر بقبول التسطيح المخل والتفكير القاصر، وهو من أكثر الأمور التى كان عالم الفيزياء الشهير أينشتاين يكرهها حينما قال: «قمة الغباء أن نعتقد أن هناك مسبباً واحداً لحدث أو ظاهرة واحدة».
تتعدد الأسباب، وتتعدد الدرجات وتختلف أطياف اللون ما يستدعى أن يفكر الإنسان ذو العقل المنفتح المستنير بعيداً عن طريقة «إما كذا أو كذا»، بمعنى لا يمكن أن يكون هناك شيطان كامل مقابل ملاك كامل، أو صواب كامل مقابل خطأ كامل، أو مذنب كامل أو ضحية كاملة.
اخترنا أسلوب «إما أو إما» حتى نريح عقولنا ونفوسنا من التفكير، فنرى من نحب بلا أى أخطاء، ونرى خصومنا وأعداءنا على أنهم أسوأ خلق الله حتى لو أنقذوا البشرية من الهلاك.
قمة الموضوعية، أن ترى أخطاء أحب الناس إلى قلبك، وأن تقدر وتحترم غيرك رغم كونه أكبر أكبر أعدائك!