المال مال الله

المال مال الله

المال مال الله

 لبنان اليوم -

المال مال الله

عماد الدين أديب
بقلم : عماد الدين أديب


أثارت حادثة سرقة دراجة حارس أمن فى جدة تفاعلات غير مسبوقة على وسائل التواصل الاجتماعى.

خرج الحارس فى فيديو إنسانى مؤثر ينعى دراجته ويبكى حزناً على فقدانه لها، لأنها وسيلته الوحيدة للذهاب إلى عمله، وقال الرجل إن عمله أصبح مهدداً بعدما فقد دراجته التى تبلغ قيمتها 1500 ريال سعودى، (الدولار يعادل 3٫70 ريال).

كان بكاء الرجل وحزنه مؤثراً إلى درجة أن المسألة أخذت أبعاداً تفاعلية فى مجتمع التواصل الاجتماعى حتى أصبحت «هاشتاج» وواحداً من الأحداث الأكثر شعبية.

دراجة هذا الحارس، هى «مقرّبة المسافات» بينه وبين عمله الذى هو مصدر الرزق الوحيد له ولأسرته، وبفقدانها تصبح حياته ورزقه ورزق أسرته فى خطر عظيم.

مثل هذا الرجل فى عالمنا العربى ملايين من البشر الذين يعملون 12 ساعة فى اليوم على الأقل، يدبرون -بالكاد- احتياجات أسرتهم الأساسية، حامدين، شاكرين، لما أنعم الله عليهم من فضل، ولا يفكرون فى فيلا على المتوسط، أو قصر فى لندن، أو يخت فى الأطلنطى، أو تجديد طراز طائرتهم الخاصة، أو حجز الحقيبة الجديدة والتى تصنع بالطلب الخاص من مصانع «لوى فيتون» الشهيرة.

مشاكل «حارس الدراجة» ومن مثله تختلف عن طبقة الـ 7٪ التى تسيطر على ثروات العالم العربى الذى يعيش فيه ربع سكانه تحت معدل خط الفقر المتعارف عليه عالمياً.

نحن نعيش فى عالم فيه «ناس وناس»، بشر يعانون من بؤس الحرمان، ومن يعانى من مشاعر الملل التى تصيبه لأنه لا يجد ما يبعث السعادة فى قلبه، رغم أن لديه مليارات مكتنزة، لذلك تقوم الثورات على الفقر والعوز والحرمان وعدم الإنصاف.

والحمد لله أن الخير ما زال بين الناس لأنه بعد إذاعة هذا الفيديو تحرك الناس للتفاعل والتعاطف مع أزمة الحارس.

وبعد ساعات محدودة خرج حارس الأمن مرة أخرى يشكر الناس على مشاعرهم تجاه مصيبته ويبلغ الناس أن الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز أرسل له تبرعاً كريماً بمبلغ 200 ألف ريال.

هنا خرجت تعليقات الناس فرحة بعدما تبدل حال الرجل من حال إلى حال، وقرأنا تعليقات ساخرة مثل: «يا ليتهم سرقوا سيارتى الكورية حتى يعوضنى عنها الأمير عبدالعزيز بسيارة مرسيدس أو رولز رويس!».

أمثال عبدالعزيز بن فهد، المعروف عنهم أنهم يخرجون معظم مالهم لفعل الخير لا يبتغون سوى مرضاة الله، هم جزء من «شبكة الأمان الاجتماعى» التى تحمى مجتمعاتنا من الصراع الطبقى المدمر.

وفى كل الديانات هناك مسئولية إنسانية وثواب إلهى تجاه التضامن مع حاجة الفقير وستر المسكين وإغاثة الملهوف ونجدة اللاجئ والشريد.

وفى أعتى الاقتصادات الرأسمالية فإن دور «المسئولية الاجتماعية» لأصحاب المال هو دور أساسى وجوهرى فى نجاح النظام الرأسمالى.

سألوا الرأسمالى العملاق «كارنيجى» لماذا تنشئ المستشفيات، والجامعات، ومراكز الأبحاث والمتاحف وتهبها للناس عامة والفقراء خاصة؟

أجاب الرجل: «خلف كل حى سكنى للأثرياء هناك حارات وأزقة الفقراء الذين يجب أن تنزع منهم أى شعور بالظلم أو الحقد الطبقى على جيرانهم الأغنياء».

فى الإسلام فإن فلسفة المال والثروة واضحة تماماً، فهى تقوم على مبدأ: «المال كله فى الأساس هو مال الله ونحن مستخلفون فيه على الأرض وسوف نحاسب عليه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا تغنى فيه قرابة ولا يشفع فيه ملك أو سلطان».

إن الذين يعشقون المال أكثر من أنفسهم ويحبونه أكثر من أبنائهم وبناتهم هم فى شقاء فى الدنيا والآخرة.

لذلك حينما يقول أحدهم: «هذا مالى وأنا حر فيه أفعل به ما أشاء، فهو فى حقيقة الأمر يجهل أصل دور المال وحقيقة المالك الحقيقى له».

وعلينا جميعاً أن نتذكر قوله تعالى: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة).

وقوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ» (البقرة).

إن لم نفعل ذلك لقامت قيامة الفقراء وانفجر المجتمع من الظلم والعوز واستحالة الحياة وعدم الإنصاف.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المال مال الله المال مال الله



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon