بقلم : عماد الدين أديب
لا يوجد فى السياسة مواقف نهائية، ولكن توجد مصالح متغيرة تجعل الساسة ينتقلون من العداء إلى المصالحة، وبالعكس.
مثلاً، كانت تركيا فى حالة توتر مع روسيا إلى الحد أنها أسقطت طائرة مقاتلة روسية على الحدود التركية، والأسبوع الماضى زار رجب طيب أردوغان موسكو وقوبل بترحاب عظيم من فلاديمير بوتين، وانتهت الزيارة ببرنامج تعاون كبير بين البلدين فى كافة المجالات.
مثلاً كانت ألمانيا هى أكثر دول العالم ترحيباً بالمهاجرين والنازحين ورصدت لهم مبلغ 17 مليار يورو للإعاشة وإعادة التأهيل، ومنذ أيام أصدر البرلمان الألمانى مجموعة من التشريعات المشددة ضد الإرهاب وتقييد عملية الهجرة إلى ألمانيا.
مثلاً، كانت بريطانيا عضواً مميزاً فى الاتحاد الأوروبى، ثم تم التصويت فى استفتاء منذ شهر لصالح الخروج من هذا الاتحاد، وأمس الأول صرحت رئيسة الوزراء تريزا ماى بأن إجراءات الخروج من الاتحاد قد تأخذ وقتاً حتى نهاية 2019!
مثلاً، كان وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى شديد الهجوم على الوجود العسكرى الروسى فى سوريا، ومنذ أيام يتحدث عن أهمية التعاون مع روسيا من أجل تحقيق تسوية سياسية فى سوريا، وأصبح هناك قبول للضربات الجوية التى يقوم بها الروس، وأصبح هناك صمت أمريكى على مستقبل الرئيس بشار الأسد.
منذ قرون مضت قال «ميكافيللى» فى كتابه الشهير «الأمير» وهو ينصح الحاكم بطريقة إدارة شئون البلاد والعباد «إن السياسة لعبة انتهازية لا يجب أن تكون فيها صداقات دائمة أو عداءات دائمة».
نحن فى عصر ضاعت فيه المواقف المبدئية أو التصرفات الأخلاقية فى المعاملات الدولية، أو فى إدارة شئون الحكم.
الهند تتعاون عسكرياً مع إسرائيل، وإيران تتعاون مع كوريا الشمالية، ونائب الرئيس الأمريكى جون بايدن خلال أيام يزور تركيا، وواشنطن تبحث جدياً التضحية بالمعارض التركى فتح الله جولن المقيم فى ولاية بنسلفانيا!
لا يوجد ما هو ثابت أو غالٍ أو مقدس أو مبدئى فى سياسة اليوم.
الجميع من الممكن أن يضحى بالجميع، وحليف اليوم قد يكون -بسهولة- عدو الغد، ولا مانع -أبداً- من عقد صفقات مع عدو الأمس ما دام الثمن المدفوع مجزياً ومناسباً.
هذا هو العالم الذى نحيا فيه، وتلك هى قوانين اللعبة القذرة، فهل نفهمها ونستطيع التعامل فى ظلها؟
سؤال خطير يفرض نفسه على عالم اليوم شديد الصعوبة.