عماد الدين أديب
أزمة العقل السياسى المصرى أنه غير قادر على قبول أن هناك «آخر» يختلف عنه فى الفكر والتوجهات والمصالح.
والأزمة الأكبر هى أن العقل السياسى المصرى غير قادر على ابتكار صيغة للعيش المشترك والتفاهم والتعاون مع هذا الآخر الذى قد يكون فى الخندق المضاد.
خلق الله الناس على اختلاف منذ بدء الخليقة حتى قيام الساعة.
وعلمنا التاريخ الإنسانى -وهو خير معلم- أن الأمم التى سادت واستقرت ونهضت هى تلك التى عرفت صيغة للتعايش والتفاهم مع الاختلافات، واستطاعت منع الخلاف من أن يتحول إلى صراع، ومنعت الصراع من أن يصبح دموياً حتى لا ينقسم الشعب ويسقط النظام العام وتتفكك أركان الدولة.
هذه تجارب من عاشوا، أما أهم درس فى تجارب الأمم التى انهارت وأصبحت مجرد فصول منسية فى كتب التاريخ فهى التى فقدت عقلها واختارت طريق الثأر والثأر المضاد فى تصفية حساباتها وإدارة خلافاتها.
من الطبيعى أن نختلف وأن يكون هذا الخلاف فى ظل شرعية نظام، وأن يكون هذا النظام ديمقراطياً يحقق المواطنة المتساوية للجميع تحت مظلة وطن واحد يحدد الحقوق والواجبات للمواطنين دون تمييز.
وأخطر ما فى التجارب السياسية المصرية تلوين الحقائق حسب إرادة من يملك بعض السلطة، ومحاولة تسييس العدالة رغم أن عينَى العدالة معصوبتان لا تريان إلا الحق..
هذه الخطايا تقع فيها الأنظمة فى مصر منذ عهد الفرعون الأول حتى تاريخه، لا يختلف فيها نظام سلطانى عن نظام ملكى ولا نظام ملكى عن جمهورى، ولا مدنى عن عسكرى ولا علمانى عن نظام دينى!
إنها الخطيئة المتكررة فى تركيبة عقل السلطة فى مصر.
السلطة لا تعنى التسلط، والحكم لا يعنى التحكم، والقوة لا تعنى البطش.
متى نفهم أن الفرد لا يعنى النظام وأن النظام لا يعنى الدولة؟!
أخطر ما فى خطايا عقل السلطة فى مصر أنها تكرر ذات الأخطاء وتستنسخ نفس الكوارث مهما اختلف شكل الحكم أو الحاكم.