هل أصبحنا فى حالة مرض نفسى جماعى يكاد يفتك بنا ويجعلنا أقرب إلى المجتمع الانتحارى الذى قرر -طواعية- أن يدمر نفسه بنفسه؟!
إنه بلا شك سؤال مؤلم للغاية يستدعى منا أكبر قدر من المصارحة الصادقة مع النفس.
إنه سؤال يحمل فى إجابته مؤشراً خطيراً يدفعنا إلى الإيمان بأننا مجتمع مريض، تقوده نخبة هستيريا، ومعارضة بعضها مهووس والآخر إرهابى!
لا أحد يحب أن يصارحه الطبيب بأنه مريض بفيروس خبيث، وكلنا نخجل إذا كان أحد أفراد عائلتنا مريضاً عقلياً يحتاج إلى أن يودع مستشفى أمراض عقلية، فما بالنا إذا واجهنا أنفسنا بأننا بشكل جماعى مصابون بحالة هستيريا جماعية؟
المؤلم أننا لا نتعلم، ونمارس الخطأ والخطيئة فى حق الوطن بشكل متكرر دون أى دروس مستفادة.
مثلاً، تعاملنا مع خمسة أنظمة مختلفة منذ يناير 2011، وحتى الآن لم نتعلم.
مثلاً، واجهنا أكثر من 300 تظاهرة كبرى ولم نتعلم أسلوباً للتعامل السياسى معها.
مثلاً، واجهنا كارثة استاد بورسعيد، ولم نتعلم منها فى كارثة استاد الدفاع الجوى.
مثلاً، نواجه مشكلة السحابة السوداء منذ أكثر من 30 عاماً، وفى كل عام، وفى الموعد السنوى ذاته، نواجه ذات المشكلة ونتعامل معها بنفس الأسلوب ونطلق نفس التصريحات.
أين الخلل لدينا؟
أسهل الأمور أن نتهم الحاكم والحكومة!
وأسهل الأمور -أيضاً- أن نلقى بالمسئولية على متآمرين فى الداخل والخارج!
اتهام الحكم أو المعارضة هو الحل المريح لأنه فى نهاية الأمر يبعدنا عن تحمل المسئولية المجتمعية عن كل الكوارث التى نواجهها.
لا أحد يجرؤ على أن يقول إننا شعب لديه مشاكل!
فى ثقافة النخبة، الشعب دائماً على حق، والجماهير دائماً على صواب، وأسهل الاتهامات هى أن الخطأ فى من يحكمنا وليس أن الخطأ فينا!
إننى أرى أنه لو جاءت أنجيلا ميركل، وديفيد كاميرون، ومهاتير محمد، ورجب طيب أردوغان، وفلاديمير بوتين، وشكلوا مجلساً رئاسياً لحكم مصر وحل مشاكلها، فإنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً فى ظل مجتمع أصابته مشاكل هيكلية وتشوهات تاريخية فى القيم والثقافة والسياسة وفى فساد نظام التعليم.
أعرف أن ما أكتبه ليس من الأمور الشعبوية لأن الجميع اعتاد على نفاق الشارع مهما كان الثمن، إنه ذلك الخطأ الذى قد يرتكبه الطبيب حينما يقول لمريض السرطان إنه «مية مية» وإن كل ما يعانى منه هو نزلة برد خفيفة وإن العيب هو فى الطبيب الذى نكد عليه وواجهه بالمرض الخبيث!