عماد الدين أديب
من حق أى مواطن مصرى أن يقول رأيه فى أى قضية، أو شخص، أو مسألة، ما دام ذلك فى الحدود التى نص عليها القانون.
ومن حق المصريين أن يقولوا رأيهم فى محاكمات الرئيس المصرى الأسبق محمد حسنى مبارك ونجليه ووزير الداخلية الأسبق ومساعديه.
ولكن، ليس من حق أى إنسان أن يحكم قضائياً على متهم قبل إصدار المحكمة الموقرة حكمها.
يجب ألا نطلق النار قضائياً ونحن لسنا قضاة.
نحن نخلط بين الموقف السياسى والثأر الشخصى، والالتزامات الحزبية وبين أحكام القضاء.
أقول ذلك تعقيباً على الهجوم العنيف والكاسح الذى شهدته مواقع التواصل الاجتماعى ضد مبدأ سماح قاضى محاكمة مبارك للرئيس الأسبق بالتحدث أمام المحكمة.
ورغم أن الرئيس المصرى الأسبق قد قبض عليه ويخضع لسلسلة من المحاكمات منذ عام 2011، ورغم أنه لم يتحدث أمام أى محكمة منذ ذلك الوقت فإن كلمة الـ27 دقيقة التى ألقاها مبارك قد قوبلت بهجوم شديد.
وإذا كان القانون الخاص بالمحاكمات يعطى لأى متهم وليس لرئيس سابق أن يدافع عن نفسه أمام المحكمة، وإذا كانت المحكمة هى سيدة قرارها، فإن ذلك يؤكد أن مبدأ إلقاء الكلمة ليس فيه أى مخالفة أو تعدٍ على القانون، بل هو حق أصيل للمتهم.
وكنت أفضل أن يناقش الناس محتوى الكلمة ومضمونها وما جاء فيها.
إننى أشعر بحزن شديد لهبوط وتدنى مستوى الجدل السياسى فى مصر، الذى أصبح يعيش فى النوايا، ويصدر الأحكام القضائية بدلاً من القضاة، وأصبحت عبارات التشكيك والتخوين والسباب ومسح تاريخ وإنجازات من نعارضهم هى السمة السائدة فى الخطاب السياسى فى البلاد وعلى ألسنة العباد!
نحن نمارس عملية اغتيال معنوى بامتياز لكل من يخالفنا الرأى أو من هو ليس من تيارنا الفكرى.
إن مبارك ليس معصوماً من الخطأ ولهذا ليس خالياً من الأخطاء، بل إن الرجل اعترف فى كلمته بذلك.
لا يوجد من هو فوق المساءلة أو لديه حصانة من الانتقاد، ولكن هناك فارقاً بين حق النقد واستباحة كرامات وأقدار البشر.
كنت أفضل ألا نعقب ونفترى على هيئة المحكمة الموقرة بشكل مسبق، ونترك للعدالة أن تأخذ مجراها، ولكن يبدو أننا نلعب دور القاتل والقتيل والقاضى والادعاء والدفاع فى آن واحد.
إنه شىء مذهل لا يحدث إلا فى مصر المحروسة.