بقلم - مصطفى الفقي
أعرف السفير «محمود كارم» منذ التحاقه بوزارة الخارجية لأن أباه هو الفنان الراحل «كارم محمود» الذى ارتبطت به أجيال من (السمّيعة) ذوى المذاق الخاص فى الموسيقى والطرب، وقد دخل «محمود كارم» الخارجية وهو يحمل مؤهلات علمية وثقافية جعلته أهلًا للعمل فى أهم بعثاتنا بـ«نيويورك» و«جنيف» ثم تراكمت خبراته وذاع اسمه وأصبح سفيرًا لبلاده فى «اليابان» ثم فى «بروكسل» لدى دولة «بلجيكا» والاتحاد الأوروبى معًا، ويتمتع «محمود كارم» بسبيكة رائعة من الصفات الطيبة فهو هادئ الطبع، دمث الخلق، مجامل إلى أقصى الدرجات، يتميز بالأدب الجم ولا يثور إلا لكرامته أو مصلحة وطنه، ولقد أصبح أحد الخبراء الدوليين المرموقين فى موضوعات نزع السلاح وعضوًا فى اللجان المتخصصة على مستوى العالم فى دبلوماسية منع الانتشار النووى والمحاذير المرتبطة بملفاته المختلفة، كما اختاره الأمناء العامون لـ«الأمم المتحدة» أكثر من مرة عضوًا فى مجالسهم الاستشارية فى هذا الشأن، وأتذكر جيدًا وأنا سفير فى «فيينا» ومندوب مقيم لدى «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن الدكتور «محمود كارم» كان هو مبعوث وزارة الخارجية سنويًا للانضمام إلى الوفد المصرى الذى تشرفت برئاسته أربع مرات كان فيها «محمود كارم» هو المستشار الحقيقى للوفد والمتخصص الأول بين الوفود العربية لإعداد القرار السنوى الذى يدور حول القدرات النووية الإسرائيلية، وكان يقوم بذلك فى تواضع شديد وانصياع كامل لتعليمات وزير الخارجية،وكنت دائمًا أقوم بتيسير اتصالاته ودعم آرائه إيمانًا منى بقدراته واحترامًا لتخصصه، ولقد ربطتنى به دائمًا صلات إنسانية قوية للغاية، فنحن ننتمى فى الأصول إلى محافظة واحدة حتى إن والده الراحل الفنان الكبير كان هو الذى أحيا حفل زواج أبى عام 1940 مطربًا مبتدئًا فى «محافظة البحيرة» يصعد السلم بخطوات ثابتة ويحيطه دائمًا قدر من الاحترام لأنه كان فنانًا بلا نزوات، كما أنه استأثر بلون خاص من الغناء جعله متميزًا على المستويين المصرى والعربى، ومازالت ذاكرة الكثيرين تحتفظ بتسجيلات حفله الشهير فى «حلب الشهباء» والذى تألق فيه على نحو غير مسبوق وشد إليه الأسماع والأبصار بصورة كبيرة، ولقد اتصل بى والده- رحمه الله- وكانت بينى وبينه اتصالات هاتفية فى سنوات عمره الأخيرة، استفسر عن صحته ويبارك هو من جانبه صداقتى بابنه الدبلوماسى الناجح، وعندما علم بميعاد خطوبة ابنتى فى منتصف تسعينيات القرن الماضى اتصل بى قائلًا: لقد غنيت فى فرح أبيك وأنا لا أمانع فى المشاركة فى حفل حفيدته، ولقد تأثرت كثيرًا بهذا الكرم الأخلاقى والمبادرة الطيبة وشكرته كثيرًا، وعندما رحل عن عالمنا كنت دائمًا أول المتحدثين عنه فى البرامج التليفزيونية والإذاعية لتكريمه، خصوصًا أنه اتخذ طريقًا مختلفًا عن أقرانه فقد ابتعد بأسرته الصغيرة عن الوسط الفنى، خصوصًا أن أم ابنه وابنته تنحدر من عائلة كبيرة فهى تمت بصلة قرابة إلى «إبراهيم باشا عبدالهادى»- رئيس وزراء «مصر» الأسبق- لذلك أحسنت تربية ابنها وابنتها بعيدًا عن الأضواء وفى مسار عائلى هادئ، لذلك فإن «محمود كارم» الابن يحفظ لأبيه كل أسباب الود والاحترام ويفتخر به فى كل مكان ويعتز بتاريخه كل الاعتزاز، وقد اختاره الأستاذ «محمد فريد خميس»، مؤسس ورئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية، مسؤولًا عن العلاقات الخارجية للجامعة ومديرًا لأحد مراكزها المتخصصة، وعندما استشارنى رئيس مجلس الأمناء فى أمر تعيينه كنت شديد الحماس له والثناء عليه لأسباب موضوعية ألتزم بها فى الحكم على الأشخاص، وقد تبوأ د. محمود كارم فى السنوات الأخيرة منصب أمين عام «المجلس القومى لحقوق الإنسان» كما شارك فى الأنشطة المحلية والدولية على نطاق واسع، وعندما اختاره الرئيس «السيسى» فى الانتخابات الأولى عام 2014 منسقًا عامًا لحملته أدى دوره فى التزام ثم انصرف فى احترام ولم ينظر وراءه متمسحًا فى منصب أو طالبًا لوظيفة حتى علمنا باختياره منسقًا عامًا هذه المرة أيضًا لحملة الرئيس «السيسى» فى الانتخابات الرئاسية عام 2018، لذلك ألحّت علىّ هذه الخواطر لكى أحيى صديقى وزميلى قائلا له: إنك «كارم»، بل مجموعة من المكارم!
المصدر :جريدة المصري اليوم