بقلم : مصطفى الفقي
بمناسبة نهاية عام 2016، خطر على بالى أن أتقمص شخصية «ألفريد نوبل»، لكن دون اختراع «الديناميت» أو رصد أموال لجوائز سنوية، وتخيلت أن تكون جوائز «نوبل» المصرية شرفية بلا عائد مادى وفخرية بقيمتها الأدبية فقط، وتأملت الساحة حولى، ورأيت أن أعطيها هذا العام لمجموعة من الأسماء بقدر ما أُتيح لى من ضوء، وكان اختيارى فروع منح الجائزة مرنًا، وفقًا لمقتضيات الحال وفى ظل عطاء الأحياء من الشخصيات التى تستحق الإشادة كل عام، ووردت على خاطرى بعد تفكير مجموعة من الأسماء المصرية، هى «مراد وهبة»، و«سناء البيسى»، و«أسامة الغزالى حرب»، و«جابر جاد نصار»، والفنانتان القديرتان «مديحة يسرى» و«نادية لطفى»، وقد كان اختيار كل واحد منهم مرتبطًا بأسباب سأشرحها تفصيلًا:
أولًا: إن «مراد وهبة» (ابن رشد العصر) لم يَنَلْ تكريمًا كافيًا من بلاده، رغم قيمته الكبيرة كفيلسوف معاصر ومفكر كبير يناطح «الأصولية»- دينية أو سياسية- بمنهج علمى وسياق تاريخى وعرض يصل أحيانًا إلى حد الإبهار، ورغم أن الكثيرين قد ناصبوه العداء لأسباب فكرية ودينية- للأسف- فإن الرجل لا يزال قابضًا على مبادئه، متطورًا بأفكاره، تتطاير جوائز الدولة من حوله، وهو لا يفكر فى شىء منها، كما أن ذلك الفيلسوف العربى المعاصر يتمتع بجرأة على اقتحام القضايا الشائكة والحديث فى موضوعات مسكوت عنها، ويدرك أبعاد عصر النهضة الذى نتطلع إليه، ويظل رمزًا للصمود والعطاء على امتداد العقود الأخيرة، إننى أراه واحدًا من أهم نجوم 2016، لذلك يستحق جائزة نوبل المصرية بلا تردد.
ثانيًا: إن «سناء البيسى» قامة سامقة فى الأدب والصحافة والتراجم، وتُعد فى نظرى «أيقونة» الكاتبات العربيات المعاصرات، بما تملكه من زخيرة كبيرة من المعلومات وما تستخدمه من مفردات، ولعلى أزعم أن مقالها كل سبت فى الأهرام هو وجبة دسمة ينتظرها القراء من مختلف الأعمار والثقافات بشغف واهتمام، لأنها مزدوجة التأثير، فهى ثقافة ومتعة، فكر ورؤية، صحافة وتسلية، كل ذلك فى آن واحد، ولعل اختفاء مقالها فى الأسابيع الأخيرة أمر يتصل بأجندتها فى الكتابة ولا يتصل بسبب آخر، لأنها قيمة كبيرة فى حياتنا، عاصرت الكُتاب والصحفيين والساسة، واقتربت من الفنون أيضًا، لأن زوجها الراحل كان فنانًا تشكيليًا كبيرًا، فضلًا عن ذكائها الحاد، ولغتها ذات الخصوصية، بحيث يتعرف عليها القارئ، حتى ولو جاءت بغير توقيع، إن «سناء البيسى» تستحق «نوبل» المصرية 2016 بلا منافسة.
ثالثًا: إن «أسامة الغزالى حرب» مثقف مصرى جرىء ينحاز إلى ضمير الوطن فى كل الظروف، ولقد كان حديثه أمام رئيس الدولة فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ فاتحة خير على كثير من أسر المحبوسين على ذمة التحقيقات، حيث تتوالى أفواج خروج أعداد من الشباب قد لا تكون مُشبِعة أو كافية للجميع، ولكن «أول الغيث قطرة»، كما أن «ما لا يُدرك كله لا يُترك كله»، كما تنص القاعدة الفقهية المعروفة، ولقد عاصرت «أسامة الغزالى حرب» منذ سنوات شبابنا، فأنا أسبقه فى الدراسة بأعوام قليلة، ولكن صداقتنا امتدت إلى ما يقرب من نصف القرن تقريبًا، قد نتفق فى الآراء أو نختلف، ولكن الاحترام المتبادل والمحبة القائمة لا يتأثران أبدًا، وهو صِهر المفكر العالم الاستثنائى «ممدوح حمزة»، الذى تختلف الآراء حوله، ولكن يصعب التشكيك فى وطنيته، ولقد صافحت «أسامة الغزالى حرب» منذ أيام فى صالة العزاء عند رحيل شقيقه «طارق»، والد «شادى»، الناشط السياسى فى ثورة 25 يناير، ورأيت وجه «أسامة» يومها شاحبًا حزينًا، وعلى الرغم من أن الراحل «طارق» كان ينتقد بعض مواقفى السياسية أو آرائى الفكرية من آن لآخر، فإن علاقتنا لم تتأثر، وظل الود موصولًا بينى وبين آل حرب النوابغ، فأنا صديق أيضًا للدكتور «صلاح حرب»، أستاذ الطب المرموق بقصر العينى، أعود إلى «أسامة الغزالى حرب»، الصديق والرفيق، متمنيًا له الصحة ومواصلة الدور الذى بدأه منذ سنوات، مؤكدًا أنه يستحق «نوبل» المصرية لعام 2016 عن جدارة.
رابعًا: إن الفقيه القانونى المتميز والأستاذ الجامعى المتفرد «جابر جاد نصار» هو ظاهرة تستحق التأمل، فقد انتقل بـ«جامعة القاهرة» نقلة نوعية كبيرة، وقفز بها إلى الأمام استقرارًا فى أوضاعها الأكاديمية والتنظيمية والإدارية والمالية، وجعلها على قلب طالب واحد أو طالبة واحدة، وأعاد إليها رونقها وحياتها الثقافية ودورها المجتمعى، وتقدم خطوات على طريق شجاع يكافح الإرهاب ويواجه التطرف فى ثقة تستحق الإشادة، ولقد رأيت خلف مقعده آثار طلقات الرصاص التى صُوِّبت عليه فى فترة الفوضى التى أعقبت زوال حكم الإخوان، ولكن الرجل لم يهتز أو يترنح، وظل كالعهد به فقيهًا رفيع الشأن، وطنيًا لا يتغير، مصريًا حتى النخاع، إننى أراه جديرًا بجائزة «نوبل» المصرية لعام 2016 عن حق.
خامسًا: إن جائزة نوبل المصرية 2016 تتجه أيضًا إلى فنانتين مصريتين كبيرتين طريحتى الفراش على سرير المرض، وأعنى بهما الفنانة الكبيرة «مديحة يسرى» والفنانة الرائعة «نادية لطفى»، ولى أسبابى فى ذلك الاختيار، فنحن نسعى إلى تكريم الأحياء، ونرى بداية أن «مديحة يسرى» ذات عطاء طويل للسينما المصرية، وكانت دائمًا محل الاحترام والتقدير، ولقد قلت لها- مداعبًا ذات مرة- إن تاريخ الأدب المصرى يشير إلى حب المفكر الكبير «عباس محمود العقاد» وتقديره لك وهيامه الشديد بـ«سمراء الشاشة»، فى سنوات الشباب، فابتسمت فى دلال ورقة، ولم تنطق حرفًا واحدًا، فهى لا تباهى ولا تفاخر بمعجبيها لأنهم كثر، وإن كانت قامة «العقاد» تعلوهم جميعًا، أما الفنانة الثانية «نادية لطفى» فهى ذات تاريخ مشرف وصاحبة مواقف سياسية جريئة وداعمة لحقوق الشعب الفلسطينى فى مراحل قضيته عبر العقود الأخيرة، ولقد زرتها فى المستشفى هذا العام، ورأيتها متألقة ذهنيًا مثقفة ومُحدثة كما العهد بها دائمًا، أما الفنانة «مديحة يسرى»، التى لم أسعد بزيارتها، فإن الذين يتواصلون معها يقولون إنها شديدة الأناقة فى هذه السن المتقدمة، مع حضور ذهنى لافت، شفاهما الله، فهما تستحقان الجائزة الخامسة لـ«نوبل» المصرية 2016 عن استحقاق لا يجادل فيه أحد.
بقى أن أقول إننى لو كنت أكتب عن غير الأحياء لنال الجائزة هذا العام مَن رحلوا، وفى مقدمتهم «محمد حسنين هيكل»، و«بطرس بطرس غالى»، و«فاروق شوشة»، والفنان «محمود عبدالعزيز»، والسفير «على ماهر» وغيرهم ممن خدموا الوطن فى مجالاته المتعددة، دعونا نتذكر مع نهاية كل عام أصحاب العطاء الواضح على مدار السنة.. رحم الله مَن رحلوا، وأعطى للأحياء مزيدًا من الصحة والسعادة والتوفيق، وكل «نوبل» مصرية وأنتم بخير.
المصدر : صحيفة المصري اليوم