حوار صامت

حوار صامت

حوار صامت

 لبنان اليوم -

حوار صامت

مصطفي الفقي

مازلت أرى أنه من الأفضل للمواطن والوطن أن تكون هناك درجة عالية من الإحساس المشترك بالمصلحة العليا للبلاد تدفع إلى حوار يصل فى هدوئه إلى حد الصمت أحيانًا، وسوف نقتحم، اليوم، موضوع أداء الدولة المصرية فى الظروف الحالية، طارحين بعض المحاور التى تدور حول «القيادة السياسية» و«الحكومة الحالية» و«مجلس النواب» و«رجال الأعمال» و«الجهاز الإدارى»، فأما عن «القيادة السياسية» فإننى أحسب أن رئيس الجمهورية رجل تقى نقى يسعى جاهدًا لخدمة البلاد والعباد، وهو لا يعطى ثقته إلا لمَن يعرف ولا يجازف بإدخال شخصيات معينة فى دائرة القرار السياسى،

لأنه يؤمن- هو ومَن حوله- بأن إدخال عناصر جديدة على دائرة القرار السياسى هو أمر غير وارد بحكم القطيعة مع الماضى والرغبة فى انتساب الإيجابيات لمَن صنعوها لا لمَن يحاولون المشاركة فيها، كما أن الجانب الإنسانى لدى الرئيس يحتل مساحة كبيرة تبدو أحيانًا أكبر من الجانب السياسى، لذلك فإننى أتمنى عليه- وأنا لا أرى بديلًا له- أن تكون هيبة الحكم فوق شعبية النظام، فـ«مصر» تمضى دائمًا على إيقاع حازم، بشرط أن يسعى لمصلحة البلاد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأنا أشعر بأن الرئيس يبدو مفعمًا بالعواطف الوطنية والمشاعر الصادقة، لأنه يدرك أن المصريين قد عانوا كثيرًا عبر تاريخهم الطويل، وأنهم يحتاجون إلى مَن يربت على أكتافهم ويمسح دموعهم، وذلك أمر مطلوب عندما يقترن برؤية واضحة ومواقف حازمة فى إطار كامل من سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وصيانة الحريات العامة والحريات الشخصية أيضًا، لأن ولى الأمر هو المسؤول أمام الله عن رعاياه، ولن تكفى الشفافية المطلقة ولا الأحاسيس الإنسانية ولا حتى المشاعر الوطنية لكى تشكل وحدها إطار العمل الوطنى، وأنا أدرك أن الرئيس لا تنقصه الحنكة، كما أنه يتمتع بمسحة دهاءٍ لا تُخطئها العين الفاحصة، وهذه لوازم 

ضرورية لمَن أراد أن يحكم «مصر»، فهى وطن سهل القياد فى ظاهره، ولكنه عصى على التغيير فى جوهره، فالمصريون عاطفيون فى مجملهم، لذلك فإنهم يتحدثون كثيرًا ويعملون قليلًا، فليكن الله فى عون مَن يقود البلاد فى هذا الظرف الاستثنائى والأيام الصعبة، بعدما أزاحت القوات المسلحة عن كاهل «مصر» حجرًا ثقيلًا كان يضغط عليها فى اتجاه يختلف عن طريقها ويتعارض مع هويتها، أما «الحكومة المصرية» فرغم حجم الإخلاص لديها وطهارة اليد فى صفوفها، فإنها تبدو أسيرة الإحساس بالذنب نتيجة تراكم المشكلات المعقدة، لذلك فإنها تكون مترددة فى اتخاذ القرار أحيانًا، فضلًا عن الإحساس الدائم بأنها حكومة مؤقتة لفترة انتقالية، وأن التغيير وشيك، وذلك شعور سلبى يؤدى إلى عدم القدرة على الإمساك بالفرصة أو اتخاذ القرار المطلوب فى الوقت المناسب، مع رضوخ واضح للضغوط الإعلامية وحساسية مفرطة تجاه النقد، مع قصور فى الإخراج السياسى، خصوصًا أمام القضايا المزمنة والمسائل الشائكة، وأنا أظن أن لدى الحكومة الحالية أزمة ثقة بدأت تتولد مع «مجلس النواب الجديد»، خصوصًا بعد رفضه قانون «الخدمة المدنية»، كما أننى مشفق على الحكومة المصرية فى التعامل مع موضوع «سد النهضة» بتعقيداته

 وألاعيبه واستهلاك الوقت فى مفاوضات طويلة، بينما العمل يجرى فيه على قدم وساق، وذلك من أجل فرض الأمر الواقع كما تريده «الحكومة الإثيوبية» ومَن يقفون وراءها بصورة تُذَكِّرنى أحيانًا بنمط «الدولة العبرية» فى التفاوض مع العرب على امتداد العقود الماضية.

إننى أشعر أحيانًا بأن الحكومة لا تدرك الحجم الحقيقى للمخاطر الناجمة عن مشكلات معينة والتحديات التى تحيط بنا من كل جانب، أما «مجلس النواب الجديد» فإن تشكيله الذى يضم قرابة 40 مسيحيًا وما يصل إلى 90 نائبة هو أمر يدعو إلى الارتياح ويُبشر بالخير، ولكننى أعترف فى الوقت ذاته بأن بعض مناقشات المجلس فى الأيام الأخيرة لم تكن على المستوى الذى توقعته، ولم تبرأ من بعض الهرج والمرج المعروفين فى البرلمانات عمومًا، ومازالت التجربة وليدة، وأنا أحلم به برلمانًا لا ينافق ولا يجامل، ولكنه فى الوقت ذاته لا يتحامل على الحكومة بغير سبب، ولا يتجاوز دون مبرر، فالوطن مازال عليلًا ولم يتعافَ بعد، أما «رجال الأعمال» فإننى أصدقهم القول بأن مسؤوليتهم فى بناء الاقتصاد الوطنى والاستثمار الداخلى وضخ الاستثمارات الأجنبية فيه هى أمور يتحمل القطاع الخاص مسؤوليتها تجاه فقراء «مصر»، بشرط أن تعطيه الدولة ثقة كاملة فيه وإحساسًا بأهميته واعتباره شريكًا فى القرار الاقتصادى وليس خصمًا له...

وأنا أتمنى على رجال الصناعة ورجال الأعمال عمومًا من أصحاب التاريخ الوطنى المعروف أن يدفعوا بمبادرات تدفع مسيرة الإصلاح وترفع الأعباء عن كاهل الطبقات الفقيرة، وتساعد على زيادة الإنتاج ورفع مستوى الخدمات فى بلد عانى كثيرًا من القرارات الخاطئة والخلافات المصطنعة والصراعات المتصلة، أما «الجهاز الإدارى» المترهل، الذى حاولت الحكومة إصلاحه بمحاولة ربط الأجر بالإنتاج من خلال قانون «الخدمة المدنية» المتعثر بين الحكومة والبرلمان، فإننى أقول إننا نملك واحدًا من أقدم الأجهزة الإدارية على الأرض، ولكنه بلغ مرحلة من الشيخوخة تجعله أحيانًا مصدرًا من مصادر التعويق للحياة على أرض «مصر»، وعملية هز هذا الجهاز الإدارى وعمل «ريجيم» حقيقى له أمر مطلوب، مهما كانت الكلفة، لأن «البطالة المقنعة» هى سيدة الموقف، وهى القاسم المشترك بين وزارات الدولة ومؤسساتها وإداراتها المختلفة، إننا ندعو هنا إلى ضرورة الاهتمام بالتعليم المصرى المصحوب بالتدريب العصرى إذا أردنا إصلاح الجهاز الإدارى، بل إصلاح الوطن كله.

نحن لا نبغى من هذه السطور إلا نقل «الحوار الصامت» فى صدورنا إلى صفحات الورق، لعله يكون تحريضًا على التفكير ودعمًا للوطن، فأنا لا أريد إلا الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وليست لى «أجندة» شخصية إلا رفعة «مصر» ومقاومة أى مساس بالأرض أو المياه، فهما بالنسبة للمصريين مصدر الحياة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار صامت حوار صامت



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon