من الذى لا يحب «مصر»

من الذى لا يحب «مصر»؟!

من الذى لا يحب «مصر»؟!

 لبنان اليوم -

من الذى لا يحب «مصر»

مصطفي الفقي

دولة فريدة لا هى كبيرة جدًا ولا صغيرة أبدًا، ورد ذكرها فى العهدين «القديم» و«الجديد» وذكرها «القرآن» عدة مرات صراحة وأكثر من ذلك بالإشارة إليها دون ذكر اسمها الذى اشتقت منه كلمة «الأمصار» أى الدول وأيضًا كلمة «المصارى» أى النقود، إنها «مصر» واسطة العقد وعمود الخيمة ورفيقة التاريخ وشاهدة العصور، ليست هذه «شيفونية» عمياء لأن هوى الأوطان يشد الإنسان نحو المكان فلا يكاد يرى غيره ولكن ما نقوله اليوم لم نقله وحدنا بل تقوله الدنيا كلها، المحب والكاره، الغيور والعاشق، العدو والصديق، بل إن «مصر» من فرط ما لديها من مقومات تاريخية وجغرافية وإنسانية تثير الأحقاد لدى البعض وتحرك الغيرة لدى البعض الآخر وقد يستوى فى ذلك الأمر بين الأصدقاء والأشقاء أيضًا، إننى أكتب هذه السطور فى لحظات حاسمة من تاريخ «الكنانة» وهى فى مفترق الطرق تنظر أمامها أكثر مما تنظر وراءها وتقلق من المشهد الراهن إلا أن ثقتها فى ذاتها أقوى دائمًا من كل الخطوب والمحن، ولعلى ــــ أطرح الآن نمطًا من التفكير بصوت مرتفع ــ أوجزه فيما يلى:

أولًا: إن التكوين الإنسانى للشعب المصرى مازال يفتقد حتى الآن التربية السياسية اللازمة لصنع الكوادر القادرة على العمل العام والوعى بالظروف المحيطة والتى تسمح بالانطلاق نحو المستقبل الأفضل، والذين يتوهمون أن «مصر» تعيش على تاريخها فقط ويكفيها التغنى بأمجادها هم واهمون، فالفتى ليس من يقول كان أبى ولكن من يقول ها أنا ذا، والملاحظ فى المشهد المصرى المعاصر أن جزءًا كبيرًا من مشكلاتنا قد نجم عن غياب التربية السياسية والوعى الاجتماعى والإبداع الثقافى فى بلد يملك من القوة الناعمة ما لا يملكه سواه، ومع ذلك فإن ذلك البلد العظيم يبدو أحيانًا فريسة للإهمال وعبدًا للروتين وضحية للامبالاة وتلك كلها أمراض لابد أن نقاومها بكل ما أوتينا من رصيد طويل من التجربة والمعاناة والخبرة المتراكمة.

ثانيًا: إن الاقتصاد المصرى يتميز بتركيبة خاصة تجعل نسبة الاقتصاد الموازى - المعروف باقتصاد «بئر السلم» - يمثل نسبة كبيرة من مجموع النشاط الاقتصادى فى البلاد وهو بالضرورة اقتصاد غير مسجل ضرائبيًا أو جمركيًا وربما تدخل فيه عناصر غير أخلاقية مثل تجارة المخدرات والسلاح وعمليات التهريب، لذلك فإن الخزانة المصرية تفقد سنويًا مليارات من ذلك النشاط الاقتصادى الغامض والذى لا توجد له سجلات واضحة أو إحصائيات معروفة، بل إننى أضيف إلى ذلك أن الدخل القومى المصرى أكبر بكثير من الأرقام المعروفة كما أن الدخل الفردى هو أيضًا ليس بالتدنى الذى تطرحه الأرقام المعروفة لدينا جميعًا، فلكل مواطن مصرى حتى ولو كان بسيطًا مصادر غير منظورة لدخل هامشى لا يعرفه سواه، فالفلاحة التى تربى «الدواجن» والفلاح الذى يرعى «الماشية» لا يندرجان فى إطار النشاط الاقتصادى المتاح، ويؤكد الاقتصاديون الدوليون أن نسبة الاقتصاد غير المنظور إلى مجمل الاقتصاد المصرى هى من أعلى النسب بين دول العالم المختلفة وذلك مؤشر فساد لا يمكن تجاهله.

ثالثًا: إن السياسة الخارجية المصرية هى امتداد للواقع الداخلى تتأثر به وتؤثر فيه ولم نشهد عبر تاريخنا الحديث مرحلة تستجيب فيها سياستنا الخارجية لواقعنا الداخلى مثلما هو الأمر الآن، ونحن نعترف أن السياسة الخارجية المصرية الحالية قد أحدثت اختراقات واضحة فى اتجاهات مختلفة ولكنها لم تتمكن حتى الآن من احتواء دائرة الشر التى تحيط بنا، وفى ظنى أن القوى الإقليمية الأكثر تأثيرًا فى «الشرق الأوسط» وهى «إيران» و«تركيا» و«إسرائيل» يجب أن تواجه بمحور «مصرى خليجى» يمكن أن يكون مدعومًا فى مرحلة معينة من قوى عربية أخرى نتمكن من خلاله من المضى إلى الأمام لاحتواء «الأجندات» الإقليمية والصراعات حول المنطقة والتى تستهدف «مصر» فى النهاية باعتبارها «الجائزة الكبرى»، ولا يخفى على أحد أن «مصر» كانت دائمًا هى القائدة فى الحرب والرائدة فى السلام وأنها تملك من خلال قوتها الناعمة بـ«أزهرها الشريف» و«كنيستها الوطنية» القدرة على تصدير أغلى سلعة وهى السلعة الثقافية التى دخلت بها إلى قلوب الملايين قبل عقولهم فى العالمين العربى والإسلامى وفى الدائرة الأفريقية التى نعتز بالانتماء إليها.

رابعًا: إذا كنا نناقش قضية حب الوطن ونتساءل عمن لا يحب «مصر» فإننا نعترف هنا بأننا شعب يسرف فى التغنى بحب «مصر» وينظم الأشعار والأذكار والأزجال فى عشق الوطن والغرام به ولكن ذلك يقف عند حدود المشاعر العامة ولا يتحول إلى دافع حقيقى للتشييد والتعمير والبناء، وهنا تكون الكارثة الحقيقية للمسافة الكبيرة بين ما نقول وما نفعل خصوصًا وأننا ننتمى إلى أمة توهمنا ذات يوم أنها «خير أمة أخرجت للناس» فإذا هى الآن ظاهرة صوتية لـ«عرب» يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، وإذا كنا نبحث فى عناصر القوة نتيجة الالتقاء بين محورى «التاريخ» و«الجغرافيا» أى «الزمان» و«المكان» فإن علينا أن نبحث فى أسباب الضعف الناجم عن التدهور الملموس فى الدافع الوطنى والذى لا يظهر إلا عند الشدائد وفى اللحظات الحاسمة مثلما حدث مؤخرًا فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.

خامسًا: إن نظرتنا إلى المستقبل لابد من تغليفها دائمًا بالتفاؤل والأمل وقديمًا قالوا: (تفاءلوا بالخير تجدوه) ذلك أنه من الصعب أن نسمح باليأس أن يحيط بنا أو بالإحباط أن يستبد بشبابنا خصوصًا أن هناك قوى لا تخفى على أحد وتسعى حثيثًا لنشر روح سلبية لإجهاض جذوة الوطنية وإضعاف الشعور بالانتماء والقضاء على الأمل فى المستقبل.

هذه ملاحظات نسوقها حتى يدرك الجميع من الذى لا يحب مصر!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الذى لا يحب «مصر» من الذى لا يحب «مصر»



GMT 22:28 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التسامح والمحبة و”سجدة الفاخوري”

GMT 22:27 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

الامتحان الحقيقي في سوريا...

GMT 21:35 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قصة مملّة ورواية باهتة

GMT 21:34 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إرهاب سيدني وتدمر... «عادْ نِحنا إلّا بِدينا»

GMT 21:33 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التطرف وباء «القرية الكونية»

GMT 21:32 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

واشنطن... تحدي هندسة التنازع الإقليمي

GMT 21:31 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

وداع «الست» على موسيقى «ألف ليلة»

GMT 21:30 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

تسويات «إلا حتة»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon