طرابلس ـ ننا
أقامت اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز احتفالا تكريميا للأديب الدكتور توفيق بحمد، في قاعة قصر الأونيسكو، بمناسبة صدور كتابه الجديد "أمين والنبي"، بمشاركة جمعيات ومؤسسات ثقافية وتربوية، منها هيئة جبران الوطنية ومؤسسات المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله وجمعية سدق وجمعية الإنماء الاجتماعي.
حضر الاحتفال ممثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى، ممثل النائب وليد جنبلاط ناصر زيدان، ممثل الوزير وائل أبو فاعور أمين شديد، النائب أمين وهبة وأعضاء من المجلس المذهبي وفاعليات وشخصيات. أما خطباء الحفل فهم: العلامة السيد علي فضل الله، الأب جورج مسوح، الدكتور طارق شدياق، الدكتور محمد شيا والشيخ علي الجناني ممثلا المفتي الشيخ خليل الميس.
بعد النشيد الوطني وفيلم وثائقي عن المكرم، قدم المتكلمين المحامي مالك أبو لطيف، فتحدث أولا أبي المنى باسم الجهة الداعية، فشكر الحضور على تلبية الدعوة "بالرغم من المآسي والتحديات التي تواجهها البلاد، من فلسطين المعذبة التي تتعرض يوميا لهمجية العدوان الإسرائيلي، إلى معاناة العراق وسوريا وأزمات لبنان الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ما يدعو إلى اليأس، لكننا نواجه التحديات بالمزيد من الإصرار على الكلمة الطيبة وعلى تكريم المثقفين والمبدعين"، معتبرا أن "الأديب الدكتور توفيق بحمد واحد من أولئك الأعلام الذين حاولوا سلوك الدرب إلى الحقيقة، فغاص في لججها، وحاول البحث عن دررها، وتجاوز العقبات في طريق البحث والاكتشاف، بثقة المؤمن وعزم العصامي المخضرم ومحبة الموحد المعروفي وعنفوان ابن الجبل ووادي التيم، فما كاد يقع حتى يعود ليمتشق إرادة الحياة وينهض أقوى مما كان عليه، ويذهب في إرادته إلى ما هو أبعد وأغنى، فيصبح العلم عنده وسيلة، والطب وسيلة، والبيت والمستشفى وكل ما يملك وسيلة أيضا للارتقاء والتحقق، رافضا أن يتعلق قلبه بالوسيلة، بل بالغاية الأسمى، أي بالحقيقة المرتبطة بالله عز وجل، والتي تستحق الجهاد والنهوض من جديد، مدركا أن معنى الحياة لا يدرك إلا بالتوق والعزم المتصاعد وبالعمل والسعي الدائم لإدراك الحقِ والحقيقة، وبذلك يمكن للإنسان بلوغ السعادة التي هي أبعد من مال وجاه وقوة عابرة وكلمة منمقة وصورة لماعة ومعركة وهمية وسراب".
واعتبر فضل الله أن توفيق بحمد "نهل من وجدانيته الروحية، كما هي في أعماق ذاته، حتى تكاد إضاءاته لتكون جزءا من فطرته المنغرسة على حب الخير والقيم. فلا يملك الناقد أن يرى من وراء هذه الفطرة النقية إلا أن يحترم لهفة الكاتب على الحوار مع ظلاله ومراياه "أمين" ليحرك من خلالها ينابيع الأسئلة الوجودية، مهموما ليس لابتداء المعرفة والعرفان فحسب بل بنزعة البحث في معنى الإنسان، وأزمة الحضارة الحديثة، كما لو أنه الواثق بأن العقل إحدى الحجتين على الناس من بعد الأنبياء والرسل، ذلك أن الحسن جميل بذاته والأخلاق حميدة بذاتها".
وتابع "يحاكي بحمد بعباراته لغة الكتاب المقدس ويستعير من "بولس الرسول" شرط العبور إلى الذات واقتحام العقبة "بجهاد الحسن" أو "المجاهدة التوحيدية"، ليدله سقراط الفلسفة القديمة على فرح "السم المنعش" انتصارا لثورة المعرفة، وغضبها ضد تدمير العقول، فأغمض عينيه لتظل عيون طلابه مفتوحة على كتاب العلم وتنوير الحياة بمصباحين، أحدهما مصباح المعرفة، وثانيهما مصباح الحب الإلهي. ويكاد الدكتور توفيق بحمد يهمس في سما أمه الأرض وقلب شقيقته الحرية: همسة "السيد المسيح" لمريم: غلبني الحب يا أماه غلبني يقينا".
وتحدث الجناني باسم الميس، فأثنى على تجربة بحمد، مؤكدا "الإبداع الفكري الذي أنتجه هذا البلد من فينيقيا حتى اليوم"، ومستذكرا أعلام مبدعين من لبنان "كالأمير شكيب أرسلان الذي يعود الفضل لوليد جنبلاط في نشر مجموع كتبه الذي تجاوزت الخمسين كتابا، وكمال جنبلاط وسلطان الأطرش الزعيمان الكبيران اللذان عرفهما توفيق بحمد عن كثب واعتبرهما مدرسة وطنية وعربية رائدة".
من جهته اعتبر مسوح أن "الحكمة لا سن لها. هي نعمة يهبها الله من شاء من خلقه. الإنسان يتلقاها، فإما أن ينميها ويرويها بالجهاد والسهر والتعب، وإما أن يهملها فتغادره. الحكمة تنزل من العلاء كما ينزل المطر من السماء، فمنه ما يقع على الأرض الخصبة، فتزهر وتثمر ثمرا كثيرا، ومنه ما يقع على الصخر، فلا يتأثر ويبقى الصخر صخرا". وتابع: "ليس من قبيل الصدفة أن تبدأ أحلام الدكتور توفيق بحمد بالعمر ذاته الذي بدأ فيه السيد المسيح إعلان رسالته الإلهية إلى العالم. فسن الثانية عشرة لها سحرها وجاذبيتها في الميثولوجيات والأديان كافة، إذ تعتبر من الأرقام الكاملة والمحملة بالرموز العديدة. وما الأحلام التي راودته إلا تحديات تصدى لها صاحبنا بعزيمة المؤمن الأمين، وتصميم الصابر الذي لا يلين، وقصد السالك غمار الحياة وعواصفها العاتية".
بدوره تساءل شدياق "من هو أمين الدكتور بحمد؟ هو ليس رفيقه، ذلك أن هذا "الأمين" لا يظهر إلا في تلك اللحظة، تلك الهنيهة وهي كل الفجأة. هو إذا ليس صاحبا أو صديقا. وهو حتما ليس كاتم أسرار، فأمين هذا هو كل المكاشفة، كل الشفافية، كل الحقيقة. فكيف نحدد أمين هذا إذا؟ إنه الدكتور توفيق بحمد ذاته. توفيق الحقيقي وقد أزيلت عنه كل الحجب والأقمطة، فوقف عاريا كما الحياة، كما الحقيقة. تماما كما هي رسوم جبران العارية هي الأخرى، والذي كان عندما يسأل عن السبب يقول، كما ورد في إحدى رسائله إلى ماري هاسكل: "رسومي عارية لأن الحياة عارية والحقيقة عارية، وأنا لا أرسم إلا الحياة وإلا الحقيقة". أمين هو الدكتور بحمد بذاته".
وأشاد شيا بتجربة توفيق بحمد قائلا ان "الطبيب توفيق بحمد قد وفق بملء بيان انتسابه بجدارة إلى نادي الأطباء- الأدباء، ذلك التقليد المستمر بنجاح مذهل منذ عهدي الإغريق والعرب، في ذروة حضارتهم بدءا من القرن الثالث الهجري، وليخترق بعد ذلك الحضارات والثقافات والحقب كافة. في كل حضارة وثقافة وحقبة كنا نرى أطباء لامعين ينتهون شعراء وأدباء وكتابا وفلاسفة مرموقين. ومع ذلك، ليس من باب المصادفة أو ما يدعو إلى الاستغراب، أن تقوم هذه الصلة الوثقى في كل زمان ومكان بين الطب والأدب. فالمحور أو الأصل في كليهما هو الإنسان، مرة في معاناة جسده، وهو موضوع الطب، ومرة أخرى في معاناة قلبه أو عقله أو روحه، لا فرق، وهو موضوع الأدب والفن عموما. إن الدكتور توفيق بحمد دليل آخر إضافي على الصلة الوثيقة هذه، فهو وفي آن معا، الطبيب الناجح، من جهة، والمنبهر، من جهة ثانية، بالأدب، والمسهم فيه تدريجا بنجاح لافت، يجدل في جنانه، كما أرى، أمراسا وصورا وافكارا عليها بصمات قوية من أورفليس جبران خليل جبران".
ختام الكلمات للمكرم توفيق بحمد الذي عرف بكتابه وشكر الحضور والمتكلمين، ثم قدم له رئيس اللجنة الثقافية درعا تكريمية، كما تم توزيع كتيب عن المكرم من إعداد اللجنة الثقافية، وأخيرا كان توقيع لكتابه الجديد "أمين والنبي".
أرسل تعليقك