ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي السيامة الاسقفية للخوراسقف شربل عبدالله راعيا لابرشية صور المارونية على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي "كابيلا القيامة".
وألقى الراعي عظة بعنوان : "أتحبني؟ إرع خرافي.... واتبعني"، قال فيها: "ثلاث كلمات يوجهها إليك، أيها الأسقف المنتخب شربل، كما وجهها إلى سمعان بن يونا، ويوجهها إلى كل أسقف، لتشكل كيانه ودعوته ورسالته.
دعوتك ورسالتك الأسقفية تنبعان من حبك الشديد للمسيح؛ وتقومان على تجسيدك محبة المسيح في رعاية النفوس، الخراف التي اقتناها بدمه؛ وتبلغان ذروتهما بإتباعك المسيح في تجرده وصبره وآلامه وموته.
يسعدني والسادة الأساقفة أعضاء سينودس كنيستنا البطريركية المقدس، أن نرقيك، أيها الأخ الجليل الأسقف المنتخب شربل إلى الدرجة الأسقفية ونجلسك على كرسي أبرشية صور العزيزة. فهنيئا لك على دعوة الله لك المجانية إلى ملء الكهنوت. ونهنئ سلفك سيادة أخينا المطران شكرالله نبيل الحاج الذي يسلمك الوديعة الثمينة، وكهنة الأبرشية ورهبانها وراهباتها وجميع مؤمنيها. كما نهنئ شقيقك وشقيقاتك وعائلاتهم وسائر أنسبائك وأهالي بلدة الحجة العزيزة حيث أبصرت النور. ونستحضر روح والديك من سمائهما، وهما يفرحان بك ويتشفعان من أجلك. أنت لا تنسى الوالدين وبخاصة مسبحتيهما اللتين كانتا لا تفارق يدهما تضرعا من أجلك.
وأود أن أوجه تحية خاصة إلى عائلات الحجة المؤمنة التي تشكل في الحقيقة كنائس منزلية فأعطتنا 3 أساقفة. أنت وأخوانا المطران شكرالله نبيل الحاج، والمطران مارون العمار، رئيس أساقفة صيدا، وكهنة ورهبانا وإكليريكيين.
اليوم تعلن من جديد حبك الشديد ليسوع، راعي الرعاة العظيم (1 بط 5: 4). فهو يوجه إلى قلبك، في هذه الرتبة المقدسة، سؤاله كما لبطرس: يا شربل بن يوسف، أتحبني أكثر من هؤلاء؟ وأنت تجيب بإخلاص، كما فعل بطرس: يا رب، أنت تعلم كل شيء، وأنت تعرف أني أحبك (يو 21: 17). جواب ضميري خطير! لكنك قلته طيلة حياتك الكهنوتية السابقة، كما يظهر من سيرتك الذاتية الملأى بالنشاطات الروحية والراعوية والإدارية والتعليمية في الأبرشية وخارجها، بكل طواعية وجهوزية.
ولأنك كنت أمينا في القليل، يأتمنك الرب يسوع على الكثير، إذ يقول لك كما لبطرس: إرع خرافي! يسلمك رعاية النفوس التي اقتناها بدمه، لكي تكون لها معلما أصيلا تعلن الإنجيل، وتنقل كلمة الله، وتعلم العقيدة المسيحية، من أجل إيقاظ الإيمان في القلوب وحمايته من الإنحراف، والعمل على تنميته ونضجه؛ وتكون كاهن الأسرار المقدسة، من أجل تقديس نفوس المؤمنين وتوجيههم إلى ينابيع النعمة؛ وتكون راعيا مشاركا في وظيفة المسيح الملوكية القائمة على خدمة الحقيقة والمحبة التي تخدم ولا تخدم، والتي تبذل الذات فداء عن الكثيرين (راجع مر 10: 45). وعلى هذا تكون إمتدادا منظورا للرب يسوع الذي هو مبدأ الوحدة في كنيسته في صور وأساسها.
من أجل القيام بخدمتك المثلثة، التعليم والتقديس والرعاية، بنجاح ووفق قلب الله، تحتاج إلى التعاون الوثيق مع الجسم الكهنوتي الذي أنت رأسه، ومع الرهبان والراهبات والمؤمنين ولا سيما مع المنظمات الرسولية، ومع المؤتمنين على إدارة الأوقاف. هؤلاء جميعًا هم معاونون لك، تقول لهم، وتتصرف تجاههم مثل القديس أغسطينوس يوم دخل مطرانا لأبرشية قرطاجة، قائلا لشعبه: أنا معكم مسيحي ومن أجلكم أسقف، الأول إسم النعمة، والثاني إسم الواجب.
بعد التأكد من حبك للمسيح، ومن تجسيد محبته للجميع في خدمتك الراعوية المثلثة، يقول لك الرب يسوع: "إتبعني!" (يو 21: 22). إتبعني أنا "الراعي الصالح"، فتتحنن على الجموع الضائعة كخراف لا راعي لها (متى 9: 35-36)، وتبحث عن الضائعين والمشتتين (متى 18: 12-14)، وتجمعهم وتدافع عنهم وتحميهم من الذئاب الخاطفة (يو 10: 12)، وتقودهم إلى ينابيع الكلمة والنعمة (مز 23).
يدعوك الرب يسوع لإتباعه في التضحية بذاتك وبراحتك وبوقتك، وفي جعل المحبة الراعوية أسلوبا للتفكير والعمل، ونمطا لعلاقاتك مع أبناء أبرشيتك وسواهم من الكائنين فيها، وللتميز بالتواضع والتجرد. واعلم، أيها الأخ الجليل، أن محبتك الراعوية تنبع من صلاتك ومن إحتفالك اليومي بسر الإفخارستيا. فمنه تنال النعمة والمسؤولية لتعطي حياتك كلها معنى قربانيا، ولتوحد نشاطاتك المتنوعة والكثيرة في حياة روحية منزهة، تهدف في كل لحظة وعمل إلى واحد هو: بذل الذات في سبيل الخراف (أعطيكم رعاة، 23).
والآن أيها الأخ الأسقف الجديد، ضع في خدمة أسقفيتك كل ما إكتنزت من علم وخبرة في العديد من المجالات. أنت مهيء تماما لتتولى مسؤوليات خدمتك. فلديك الشهادات الفلسفية واللاهوتية والليتورجية وفي الفن الكنسي الماروني، بالإضافة إلى اللغات الحية والقديمة ومارست التعليم الجامعي، فترسخت معارفك. وخدمت الرعايا، وأرشدت المنظمات الرسولية، ونشأت الإكليريكيين، وتوليت الإشراف على بناء الكنائس، وتمرست في إدارة الأبرشية، كأمين سر المطرانية أولًا ثم كنائب عام. وعشت أطيب العلاقات مع الكنائس الأخرى، وحوار الحياة مع الإخوة المسلمين في الجنوب.
مع كل هذه المؤهلات، إحمل محبة المسيح لشعبنا المحطم معنويا، والفقير اجتماعيا، والقلق اقتصاديا ومعيشيا، والمتزعزع الأمل سياسيا بمستقبل أفضل. لكن المسيح يبقى أساس الرجاء، والكنيسة صخرة الصمود لشعبنا ولشبابنا. أمام هذا الواقع الأليم والمتردي يوما بعد يوم بسبب فقدان الوعي والضمير لدى المسؤولين السياسيين، أنت مدعو لتضع إمكانات الأبرشية، إلى جانب البطريركية والأبرشيات الأخرى والرهبانيات والمنظمات الإنسانية والخيرية، في مسيرة تنسيق خدمة المحبة الإجتماعية المعروفة بالكرمة، بحيث تشمل كل الأراضي اللبنانية، وشعارها: أن لا تموت عائلة من الجوع، أو تشعر بأنها متروكة. إن الأيام الآتية ستكون أصعب مما هي اليوم بسبب الممارسة السياسية المدانة. غير أن رجاءنا بالله وعنايته يبقى أقوى. بارك الله خدمتك الأسقفية لمجده تعالى، وخير أبرشية صور العزيزة، الموكولة إلى محبتك الراعوية، وخلاص النفس، تسبيحا وشكرا للثالوث الأقدس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
قد يهمك ايضا :
الكنيسة تُحذر من "أي اصطفاف تقسيمي" يحوِّل لبنان إلى "ساحة صراع"
البطريرك الماروني بشارة الراعي يطرح أسئلة مصيريّة حول مُستقبل لبنان
أرسل تعليقك