بعد عام على استقالته تحت ضغط الشارع، عاد سعد الحريري رئيساً مكلفاً تشكيل حكومة جديدة حدّد مهمتها بتطبيق الإصلاحات التي تضمنتها المبادرة الفرنسية لضمان الحصول على دعم من المجتمع الدولي يضع حداً للانهيار الاقتصادي.
وطرحت «وكالة الصحافة الفرنسية» عدة أسئلة عن الظروف التي أملت عودة الحريري اليوم وعن مواقف الأطراف المعنية داخلياً وخارجياً؟ وهل ستكون مهمة التأليف سهلة؟ وقالت الوكالة إنه بعد أسبوعين من اندلاع احتجاجات شعبية غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019. بادر سعد الحريري إلى تقديم استقالة حكومته.
ومنذ ذلك الحين، يشهد لبنان أزمات متتالية من انهيار اقتصادي متسارع فاقم معدلات الفقر، إلى قيود مصرفية مشدّدة، وتفشّي وباء «كوفيد - 19». وأخيراً انفجار مروّع في مرفأ بيروت.
وتراجع تدريجياً زخم الاحتجاجات في الشارع، ما أعاد بث الحياة في الطبقة السياسية الحاكمة التي كبّلت حكومة الاختصاصيين التي شكّلها حسان دياب بعد سقوط حكومة الحريري الأخيرة، وأدت إلى اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل حكومة رغم الضغوط الدولية.
في الثامن من أكتوبر، أعلن الحريري أنه مرشح حكماً لرئاسة الحكومة ضمن ثوابت المبادرة الفرنسية التي تضمنت تشكيل حكومة «بمهمة محددة» تنكبّ على إجراء إصلاحات عاجلة لضمان الحصول على دعم المجتمع الدولي.
ويقدّم الحريري الذي يرأس الحزب السني الأكثر تمثيلاً، نفسه على أنه عرّاب «الفرصة الأخيرة» المتمثلة بالمبادرة الفرنسية، بحسب الوكالة، وقال بعد تكليفه إنه يعتزم تشكيل حكومة «اختصاصيين من غير الحزبيين».
ويقول الباحث والأستاذ الجامعي في بيروت وباريس كريم بيطار إن عودة الحريري مردها أن «الثورة لم تتمكن من إنتاج قيادات وتشكيل جبهة موحدة فيما تمكّنت القوى السياسية التقليدية من رصّ صفوفها بغض النظر عن التباينات والخلافات بينها».
وأضاف: «ربّما يتفهم المجتمع الدولي استياء الشباب اللبناني لعودة الحريري لكنه لا يشاركه الاستياء ذاته لأنهم يعرفون شخصية الحريري وهم معتادون على التعامل معه ويعرفون أن لديه شبكة علاقات، وبالتالي لن يتردد أحد من المجتمع الدولي في العمل مع سعد الحريري، وإن كان لكل طرف أولوية».
وبينما لم تثر تسمية الحريري أي موقف لافت، ركّزت ردود فعل واشنطن والأمم المتحدة على ضرورة أن تنفذ أي حكومة الإصلاحات المطلوبة. ويختصر مصدر دبلوماسي أوروبي المشهد بالقول: «لبنان اخترع التاريخ الذي يعيد نفسه، نعود مجدداً إلى الحريري».
ونال الحريري تأييد 65 نائباً، فيما كان من بين الممتنعين عن تسميته التيار الوطني الحر الذي يترأسه النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، وحليفه «حزب الله»، لكن تسمية حركة «أمل» التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، أبرز حلفاء «حزب الله»، لم تكن لتحصل لولا موافقة ضمنية من «الحزب».
أمام الحريري اليوم طريق طويل وصعب في ظل إصراره على تشكيل حكومة لستة أشهر تضمّ اختصاصيين من غير الحزبيين، بينما الصراعات السياسية على النفوذ على حالها. ويصطدم الحريري بعقبات عدة، أولها مطالبة الأحزاب السياسية الرئيسية بالمشاركة في الحكومة المقبلة.
أما العقبة الثانية فهي تمسّك «حزب الله» مع بري بتسمية الوزراء الشيعة والاحتفاظ بحقيبة المال وسبق للحريري أن أعلن رفضه تكريس هذه القاعدة التي حالت دون ولادة حكومة مصطفى أديب.
ويواجه الحريري المتظاهرين الذين يعتبرونه من أركان طبقة سياسية يطالبون برحيلها، رغم أن رد الفعل الأولي على تكليفه اقتصر على تحركات احتجاجية محدودة قابلها مناصرو الحريري بتحركات مؤيدة.
وفي حال نجاحه في تأليف الحكومة، سيكون الحريري تحت مجهر المجتمع الدولي الذي «لن يكون مستعداً لتقديم أي ليرة للبنان»، من دون تغيير حقيقي وإصلاحات، بحسب الناشط السياسي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت ميشال دويهي.
قد يهمك أيضا :
الحريري يضع نصب عينيه تشكيل حكومة اختصاصيين
عون يشترط على الحريري تشكيل حكومة إصلاحية للحصول على توقيعه
أرسل تعليقك