دفعت حكومة "مواجهة التحديات"، برئاسة حسان دياب، باتجاه تبدُّل المشهد السياسي تحت تأثير التداعيات التي ترتّبت على سقوط التسوية بين رئيس الجمهورية ميشال عون، وزعيم تيار «المستقبل»، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وأدَّت إلى فتح الباب أمام إعادة الأطراف النظر في تحالفاتها السياسية، وما إذا كانت ستسمح بانخراط «قوى 14 آذار»، في جبهة موحّدة أم أن هذه الجبهة أصبحت من الماضي، ولا مجال لبث الروح فيها من جديد؟
ومع أن أحزاب «التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» كانت السبّاقة في فكّ تحالفها أو تعاونها مع الرئيس عون ومن خلاله «التيار الوطني الحر»، رغم أن «الكتائب» كان أحجم عن انتخابه رئيساً للجمهورية، فإن الطلاق السياسي الذي حصل بين عون والحريري قاد إلى انكشاف «العهد القوي» الذي لم يبقَ له حليف سوى «الثنائي الشيعي» بقوّتيه: «حزب الله» وحركة «أمل»، فيما يشارك تيار «المردة»، بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية، في حكومة دياب، على قاعدة تنظيم الاختلاف مع عون.
فالحكومة، وإن كانت تمثّل نصف البلد، فإن النصف الآخر الذي يمثل المعارضات التي انضوت سابقاً في تحالف «قوى 14 آذار» يحرص على عدم إصدار أحكام بالنيات على هذه الحكومة، وبدأ يتصرف وكأنه يمنحها فترة سماح لعلها تتمكن من وقف الانهيار الذي يتخبط فيه البلد من دون أن تنسحب على «العهد القوي» الذي يدخل الآن في النصف الثاني من ولايته، في وقت لم ينجح في نصفها الأول في تحقيق ما وعد به في خطاب القسم.
وبكلام آخر، فإن المعارضات اتخذت قرارها بعدم شمول «العهد القوي» بفترة السماح الممنوحة للحكومة، وتعزو مصادرها السبب إلى أنه لم يُحسن توظيف التأييد الذي تجلّى في انتخابه رئيساً للجمهورية لإنقاذ البلد ووقف انهياره، ويحاول الآن أن يرمي المسؤولية على الآخرين، وأولهم الحريري، بذريعة أن لبنان يدفع الآن ثمن السياسات التي اتُّبعت منذ 30 عاماً.
وسألت هذه المصادر عن الدوافع التي أملت على عون لجوأه إلى فتح الدفاتر السياسية فور سقوط التسوية الرئاسية، بينما لم يحرّك ساكناً قبل سقوطها، لا بل كان يُبدي تفاؤله في الاجتماعات التي عقدها بعد استقالة الحريري وبغيابه عنها في منع التدهور؟
كما سألت: هل الذين اختلف معهم رئيس الجمهورية كانوا جميعهم على خطأ، وأنه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل كان وحده على حق؟ وقالت إن خروج المعارضات من حكومة دياب أفقد «العهد القوي» عدّة الشغل، التي هو في حاجة إليها، للتوجّه إلى الدول العربية القادرة والمجتمع الدولي طلباً لمساعدة لبنان ووقف التدهور.
واعتبرت أن خروج المعارضات أو إخراجها من الحكومة قوبل بعدم ارتياح إقليمي ودولي، لأن مَن هم فيها الآن لا يستطيعون تسويقها، باعتبار أنها من لون واحد، مع أن ملف الكهرباء بات يشكّل مادة مشتعلة تهدد علاقة الرئيس بري بـ«التيار الوطني»، ما لم يتدخّل الرئيس عون لمصلحة إعطاء الأولوية للحلول الدائمة لإنتاج الطاقة، لا المؤقّتة التي ينادي بها باسيل.
لذلك، هناك مَن يحاول إعادة تعويم «العهد القوي»، في ظل حصر المشاركة بفريق من لون واحد، فهل ينجح هؤلاء في سباقهم مع الوقت الذي أصبح مفتوحاً على استعداد مختلف القوى لفتح ملف الانتخابات الرئاسية؟
أما على صعيد «قوى 14 آذار سابقاً»، فإن باسيل وإن كان لم يترك صاحباً لرئيس الجمهورية، فهذا لا يعني أن هذه القوى باتت مستعدة على الأقل في المدى المنظور للبحث في إحياء تحالفها في جبهة واحدة لأن لكل منها (كما تقول مصادرها)، حساباتها الخاصة، وانطلاقاً من أن خصومتها لعون لن تنسحب بالضرورة على دخولها في صدام سياسي مع «الثنائي الشيعي» و«تيار المردة».
ناهيك (بحسب المصادر نفسها) بأن خصومتها لعون، باستثناء «التقدمي»، ليست في وارد انضمامها لموقف الأخير بدعوته لإسقاط رئيس الجمهورية، ليس لأنها ما زالت تحتفظ بخط الرجعة لتعاود تواصلها به، إنما ترى أن الآلية الدستورية لإسقاطه ليست متوافرة.
و«التقدمي» يُدرك عدم توافر هذه الآلية، لكنه يرفع هذا الشعار من باب تأكيده أن لبنان يمر حالياً بمرحلة انتقالية، وأن ما يحصل الآن ليس أبعد من إدارة الأزمة المفتوحة على عدة احتمالات.
وعليه، فإن الحريري بات يتعامل مع «التقدمي» على أنه حجر الزاوية لتحالفاته، ويرى أن التحالفات الأخرى لم تتبلور حتى الساعة، وإن لم يكن في وارد الصدام مع «الثنائي الشيعي» لقطع الطريق على إقحام البلد في فتنة مذهبية، ويحتفظ لنفسه بربط نزاعه مع «حزب الله». كما أن الحريري وإن كان لا يهادن رئيس الجمهورية، فإنه يعتقد أن المطالبة بإسقاطه تفتقر إلى الشريك المسيحي في وقت تشكّل بكركي خط الدفاع الأول عن موقع رئاسة الجمهورية.
وبالنسبة إلى علاقة الحريري بـ«القوات» فإنها تجاوزت القطيعة، لكنها لم تبلغ الفترة الذهبية التي مرت فيها سابقاً، ويعود السبب إلى أن لكل منهما ملاحظات على الآخر، رغم أن حاجتهما إلى الشراكة متبادلة، لكن إصلاح ذات البين بين حليفي الأمس في حاجة إلى اتباع نَفَس طويل، مع أن لا مشكلة في رؤيتهما الموحّدة حيال البعد الاستراتيجي المتعلق بعلاقات لبنان الخارجية، وبالموقف من «حزب الله».
فعلاقة الحريري بسمير جعجع موضوعة الآن في غرفة العناية الفائقة، ولا مشكلة أمام تعافيها، لكنها لن تعود حتماً إلى الوراء مع أن الدخول في وضع قانون انتخاب جديد لا يزال نقطة خلافية، لأن «القوات» تتمسك بالقانون الحالي، بخلاف موقف «المستقبل» الذي شكّل لجنة لتعديله.
وفي المقابل، هناك مَن يراهن على احتمال حصول تطورات داخلية ستكون لها امتداداتها الإقليمية يُفترض أن تدفع باتجاه تسريع الخطوات للتلاقي مجدداً بين «القوات» و«المستقبل»، فيما لا مشكلة أمام «التقدمي» تعيق تواصله مع القوى المنتمية سابقاً إلى «14 آذار»، التي تواجه حالياً صعوبة في إعادة الاعتبار لتعويم تحالفها في جهة واحدة.
قد يهمك ايضا:الرئيس حسان دياب مستاء من الوزراء في حكومته
تشنّج متوّقع بين الرئيس حسان دياب وسعد الحريري
أرسل تعليقك